4 - فصل
[
ليست الجزية أجرة عن سكنى الدار ]
قد تبين بما ذكرنا أن الجزية وضعت صغارا وإذلالا للكفار لا أجرة عن سكنى الدار ، وذكرنا أنها لو كانت أجرة لوجبت على النساء والصبيان والزمنى والعميان ، ولو كانت أجرة لما أنفت منها العرب من نصارى
بني تغلب وغيرهم والتزموا ضعف ما يؤخذ من المسلمين من زكاة أموالهم ، ولو كانت أجرة لكانت مقدرة المدة كسائر الإجارات ، ولو كانت أجرة لما وجبت بوصف الإذلال والصغار ، ولو كانت أجرة لكانت مقدرة بحسب المنفعة ، فإن سكنى الدار قد تساوي في السنة أضعاف الجزية المقدرة ، ولو
[ ص: 123 ] كانت أجرة لما وجبت على الذمي أجرة دار أو أرض يسكنها إذا استأجرها من بيت المال ، ولو كانت أجرة لكان الواجب فيها ما يتفق عليه المؤجر والمستأجر .
وبالجملة ففساد هذا القول يعلم من وجوه كثيرة .
[
مقدار الجزية : ]
وقد اختلف أئمة الإسلام في تقدير الجزية ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى : ويجعل على الفقير المعتمل دينار ، وعلى المتوسط ديناران وعلى الغني أربعة دنانير .
وأقل ما يؤخذ دينار وأكثره ما وقع عليه التراضي ، ولا يجوز أن ينقص من دينار .
وقال أصحاب
مالك : أكثر الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق ولا يزاد على ذلك ، فإن كان منهم ضعيف خفف عنه بقدر ما يراه الإمام .
وقال
ابن القاسم : لا ينقص من فرض
عمر رضي الله عنه لمعسر ولا يزاد عليه لغني .
وقال القاضي
أبو الحسن : لا حد لأقلها قال : وقيل أقلها دينار أو عشرة دراهم .
[ ص: 124 ] وقال أصحاب
أبي حنيفة رحمهم الله تعالى : يوضع على الغني ثمانية وأربعون درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرون ، وعلى الفقير اثنا عشر .
ثم اختلفوا في
حد الغني والفقير والمتوسط .
قالوا : والمختار أن ينظر في كل بلد إلى حال أهله وما يعتبرونه في ذلك فإن عادة البلاد في ذلك مختلفة .
وأما الإمام
أحمد رحمه الله تعالى فقد اختلفت الرواية عنه ، فنقل أكثر أصحابه عنه أنها مقدرة الأقل والأكثر ، فيؤخذ من الفقير المعتمل اثنا عشر درهما ، ومن المتوسط أربعة وعشرون ، ومن الموسر ثمانية وأربعون .
قال حرب في " مسائله " : سألت
أبا عبد الله قلت : خراج الرءوس إذا كان الذمي غنيا ؟ قال : ثمانية وأربعون درهما ، قلت : فإن كان دون ذلك ؟ قال : أربعة وعشرون ، قلت : فإن كان دون ذلك ؟ قال : اثنا عشر ، قلت : فليس دون اثني عشر شيء ؟ قال : لا .
[ ص: 125 ] وقال في رواية ابنه
صالح nindex.php?page=showalam&ids=12400وإبراهيم بن هانئ وأبي الحارث : أكثر ما يؤخذ في الجزية ثمانية وأربعون ، والمتوسط أربعة وعشرون ، والفقير اثنا عشر ، زاد في رواية
أبي الحارث : أن
عمر ضرب على الغني ثمانية وأربعين وعلى الفقير اثني عشر .
قال
الخلال : والذي عليه العمل من قول
أبي عبد الله أن للإمام أن يزيد في ذلك وينقص وليس لمن دونه أن يفعل ذلك .
وقد روى
يعقوب بن بختان خاصة عن
أبي عبد الله أنه لا يجوز للإمام أن ينقص من ذلك .
وروى عن
أبي عبد الله أصحابه في عشرة مواضع أنه لا بأس بذلك .
قال : ولعل
أبا عبد الله تكلم بهذا في وقت ، والعمل من قوله على ما رواه الجماعة أنه لا بأس للإمام أن يزيد في ذلك وينقص ، وقد أشبع الحجة في ذلك .
وقال
الأثرم : سمعت
أبا عبد الله يسأل عن الجزية كم هي ؟ قال :
وضع [ ص: 126 ] عمر رضي الله عنه ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر ، قيل له : كيف هذا ؟ قال : على قدر ما يطيقون ، قيل : فيزداد في هذا اليوم وينقص ؟ قال : نعم ، يزاد فيه وينقص على قدر طاقتهم ، وعلى قدر ما يرى الإمام .
وقال
أبو طالب : سألت
أبا عبد الله عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=5541عثمان بن حنيف تذهب إليه بالجزية ؟ قال : نعم ، قلت : ترى الزيادة ؟ قال : لمكان قول
عمر رضي الله عنه فإن زاد فأرجو أن لا بأس إذا كانوا مطيقين مثل ما قال
عمر رضي الله عنه .
وقال
أحمد بن القاسم : سئل
أبو عبد الله عن جزية الرءوس ، وقيل له : بلغك أن
عمر رضي الله عنه جعلها على قدر اليسار من أهل الذمة اثني عشر وأربعة وعشرين وثمانية وأربعين ؟ قال : على قدر طاقتهم ، فكيف يصنع به إذا كان فقيرا لا يقدر على ثمانية وأربعين ؟
[ قال : إنما هو على قدر الطاقة ،
[ ص: 127 ] قيل : فيزاد عليهم أكثر من ثمانية وأربعين ؟ ] قال : على حديث
الحكم عن
عمرو بن ميمون أنه قال : والله إن زدت عليهم درهمين لا يجهدهم ، قال : وكانت ثمانية وأربعين فجعلها خمسين ، قال : ولم يبين قوله من الزيادة أكثر من هذا .
قلت
لأبي عبد الله : يحكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : إذا سأل أهل الحرب
[ ص: 128 ] أن يؤدوا إلى الإمام عن رءوسهم دينارا لم يجز له أن يحاربهم ; لأنهم قد بذلوا ما حد النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأعجبه هذا وفكر فيه ثم تبسم وقال : مسألة فيها نظر .
وقال
صالح بن أحمد : سألت أبي أي شيء تذهب في الجزية ؟ قال : أما
أهل الشام فعلى ما وصف
عمر رضي الله عنه أربعة دنانير وكسوة وزيت ، وأما
أهل اليمن فعلى كل حالم دينار : وأما
أهل العراق فعلى ما يؤخذ منهم .
وقال
الأثرم لأبي عبد الله : على
أهل اليمن دينار ، شيء لا يزاد عليهم ؟
قال : نعم ، قيل له : ولا يؤخذ منهم ثمانية وأربعون ؟ قال : كل قوم على سننهم ، ثم قال :
أهل الشام خلاف غيرهم أيضا ،
وكل قوم على ما قد جعلوا عليه .
فقد ضمن مذهبه أربع روايات .
إحداها : أنه لا يزاد فيها ولا ينقص على ما وضعه
عمر رضي الله عنه .
والثانية : تجوز الزيادة والنقصان على ما يراه الإمام ، قال
الخلال : وهو الذي عليه العمل .
والثالثة : تجوز الزيادة دون النقصان .
والرابعة : أن
أهل اليمن خاصة لا يزاد عليهم ولا ينقص .