[
الجزية غير مقدرة بالشرع : ]
فيؤخذ من عروضه بقدر ما عليه من الجزية ، هذه سنة رسول الله
[ ص: 132 ] - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه التي لا معدل عنها ، فقد تبين أن الجزية غير مقدرة بالشرع تقديرا لا يقبل الزيادة والنقصان ، ولا معينة الجنس .
قال
الخلال : العمل في قول
أبي عبد الله على ما رواه الجماعة أنه لا بأس للإمام أن يزيد في ذلك وينقص على ما رواه عنه أصحابه معينة الجنس في عشرة مواضع ، فاستقر قوله على ذلك .
وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وأبي عبيد وغيرهم من أهل العلم .
وأول من جعل الجزية على ثلاث طبقات nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جعلها على الغني ثمانية وأربعين درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرين ، وعلى الفقير اثني عشر ، وصالح
بني تغلب على مثلي ما على المسلمين من الزكاة .
وهذا يدل على أنها إلى رأي الإمام ، ولولا ذلك لكانت على قدر واحد في جميع المواضع ولم يجز أن تختلف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح قلت
لمجاهد : ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير ، وأهل اليمن عليهم دينار ؟ قال : جعل ذلك من أجل اليسار ، وقد زادها
عمر أيضا على ثمانية وأربعين فصيرها خمسين درهما .
واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى بأن الواجب دينار على الغني والفقير
[ ص: 133 ] والمتوسط بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدرها بذلك في حديث
معاذ رضي الله عنه وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا ، ولم يفرق بين غني وفقير ، وجعلهم ثلاث طبقات ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع من اجتهاد
عمر .
ونازعه الجمهور في ذلك وقالوا : لا منافاة بين سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما فعله عمر رضي الله عنه بل هو من سنته أيضا ، وقد قرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سنته وسنة خلفائه في الاتباع فما سنه خلفاؤه فهو كسنته في الاتباع ، وهذا الذي فعله
عمر رضي الله عنه اشتهر بين الصحابة ، ولم ينكره منكر ، ولا خالفه فيه واحد منهم ألبتة ، واستقر عليه عمل الخلفاء والأئمة بعده ، فلا يجوز أن يكون خطأ أصلا .
وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على استحباب العمل به فقال : الواجب على كل رجل دينار لا يجزئ أقل من ذلك ، فإن
كان الذمي مقلا ولم يكن موسرا [ ص: 134 ] ولا متوسطا عقد له الإمام الذمة على دينار في كل سنة ، وإن كان متوسطا فيستحب أن يقول له الإمام : جزية مثلك ديناران ، فلا أعقد لك ذمة على أقل منهما ، ويحمل عليه بالكلام فإن لم يقبل حمل عليه بعشيرته وأهله ، فإن لم يقبل وأقام على بذل الدينار قبل منه وعقدت له الذمة ، وإن كان موسرا فيستحب أن يقال له : جزية مثلك أربعة دنانير لا أقبل منك أقل منها ، ويتحامل عليه بالكلام ويحمل عليه بعشيرته وقومه ، فإن لم يفعل وأقام على بذل الدينار قبل منه وعقدت له الذمة عليه .
قلت : ولا يخلو حديث
معاذ من أحد وجوه ثلاثة :
الأول : أن يكون أمره بذلك ; لأن الغالب على
أهل ذمة اليمن إذ ذاك الفقر ، وقد أشار
مجاهد إلى ذلك في قوله : إنما جعل على
أهل الشام ثمانية وأربعون درهما من أجل اليسار .
الوجه الثاني : أنهم كانوا قد أقروا بالجزية ، ولم يتميز الغني منهم من الفقير ، والصحابة إذ ذاك لم يسكنوا
اليمن بل كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ هو حي بين أظهرهم ، فلما لم يتفرغوا لتمييز غنيهم من فقيرهم جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية كلها طبقة واحدة ، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الصحابة في البلاد وسكنوا
الشام تفرغوا لتمييز طبقات أهل الذمة ومعرفة غنيهم وفقيرهم ومتوسطهم ، فجعلوهم ثلاث طبقات ، وأخذوا من كل طبقة ما لا يشق عليهم إعطاؤه .
[ ص: 135 ] الوجه الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقدرها تقديرا عاما لا يقبل التغيير ، بل ذلك موكول إلى المصلحة واجتهاد الإمام ، فكانت المصلحة في زمانه أخذها من
أهل اليمن على السواء ، وكانت المصلحة في زمن خلفائه الراشدين أخذها من
أهل الشام ومصر والعراق على قدر يسارهم وأموالهم ، وهكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه أخذها من
أهل نجران حللا في قسطين ، قسط في صفر وقسط في رجب .
وقال
مالك عن
نافع عن
أسلم : أن
عمر رضي الله عنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق أربعين درهما ، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، عن
كثير بن فرقد ،
ومحمد بن عبد الرحمن بن غنج ، عن
نافع ، عن
أسلم ، عن
عمر رضي الله عنه : أنه ضرب الجزية على
أهل الشام - أو قال : على أهل الذهب - أربعة دنانير ، وأرزاق المسلمين من الحنطة مدين وثلاثة أقساط زيت لكل إنسان كل شهر ، وعلى أهل الورق أربعين درهما وخمسة عشر صاعا لكل إنسان ، قال : ومن كان من
أهل [ ص: 136 ] مصر فإردب كل شهر لكل إنسان قال : ولا أدري كم ذكر لكل إنسان من الودك والعسل .
وعلى هذا فلو كان فيهم من لا يقدر إلا على بعض دينار لوجب قبوله منه بحسب قدرته . وهذا قياس جميع الواجبات إذا قدر على أداء بعضها وعجز عن جميعها ، كمن قدر على أداء بعض الدين ، وإخراج بعض صاع الفطر ، وأداء بعض النفقة إذ لا يقدر على تمامها ، وغسل بعض أعقابه إذا عجز عن غسل جميعها ، وقراءة بعض الفاتحة في الصلاة إذا عجز عن جميعها ، ونظائر ذلك .
قال
أبو عبيد : والذي اخترناه أن عليهم الزيادة كما يكون لهم
[ ص: 137 ] النقصان وللزيادة التي زادها
عمر رضي الله عنه على وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وللزيادة التي زادها هو نفسه حين كانت ثمانية وأربعين فجعلها خمسين .
ولو عجز أحدهم عن دينار ؛ لحطه من ذلك حتى قد روي عنه أنه أجرى على شيخ منهم من بيت المال ، وذلك أنه مر به وهو يسأل على الأبواب وفعله
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز .
وقال
أبو عبيد : ولو علم
عمر أن فيها سنة مؤقتة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تعداها إلى غيرها .