219 - فصل
في
تملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام
وقد اختلف العلماء في الذمي ، هل يملك بالإحياء كما يملك المسلم ؟ فنص
أحمد في رواية
حرب وابن هانئ ويعقوب بن بختان ومحمد بن أبي حرب على أنه يملك به كالمسلم .
[ ص: 1225 ] قال
حرب : قلت : إن أحيا رجل من
أهل الذمة مواتا ماذا عليه ؟ قال : أما أنا فأقول : ليس عليه شيء ،
وأهل المدينة يقولون فيه قولا حسنا ، يقولون : لا يترك الذمي أن يشتري أرض العشر ،
وأهل البصرة يقولون قولا عجيبا ؛ يقولون : يضاعف عليه العشر .
قال : وسألته مرة أخرى قلت : إن أحيا رجل من
أهل الذمة مواتا ؟
قال : هو عشر ، وقال مرة : ليس عليه شيء .
وبهذا قالت
الحنفية وأكثر
المالكية .
[ ص: 1226 ] وذهب بعض أصحاب
أحمد إلى المنع منهم
أبو عبد الله بن حامد أخذا من امتناع شفعته على المسلم بجامع التمليك لما يخص المسلمين .
وفرق الأصحاب بينهما بأن الشفعة تتضمن انتزاع ملك المسلم منه قهرا ، والإحياء لا ينزع به ملك أحد ، والقول بالمنع مذهب
الشافعية وأهل الظاهر وأبي الحسن بن القصار من
المالكية ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك إلا أن يأذن له الإمام .
واحتج هؤلاء بأمور ؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم : "
موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم " . فأضاف عموم الموات إلى المسلمين فلم يبق فيه شيء للكفار .
[ ص: 1227 ] ومنها أن ذلك من حقوق الدار ، والدار للمسلمين .
ومنها أن إضافة الأرض إلى المسلم إما إضافة ملك وإما إضافة تخصيص ، وعلى التقديرين فتملك الكافر بالإحياء ممتنع ، وبأن المسلم إذا لم يملك بالإحياء في أرض الكفار المصالح عليها ، فأحرى ألا يملك الذمي في
[ ص: 1228 ] أرض الإسلام .
واحتج الآخرون بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350571من أحيا أرضا ميتة فهي له " . وبأن الإحياء من أسباب الملك ، فملك به الذمي كسائر أسبابه ، قالوا : وأما الحديث الذي ذكرتموه "
موتان الأرض لله ورسوله " فلا يعرف في شيء من كتب الحديث ، وإنما لفظه : "
عادي الأرض لله ورسوله ثم هو لكم " . مع أنه مرسل .
قالوا : ولو ثبت هذا اللفظ لم يمنع تملك الذمي بالإحياء كما يتملك بالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد ما هو للمسلمين ، فإن المسلمين إذا ملكوا الأرض ملكوها بما فيها من المعادن والمنافع ، ولا يمتنع أن يتملك الذمي بعض ذلك .
وإقرار الإمام لهم على ذلك جار مجرى إذنه لهم فيه ، ولأن فيه مصلحة للمسلمين بعمارة الأرض وتهيئتها للانتفاع بها وكثرة فعلها ، ولا نقص على المسلمين في ذلك .
[ ص: 1229 ] وأما كون المسلم لا يملكها بالإحياء في دار العهد فهذا فيه وجهان .
وأما كون الحربي والمستأمن لا يملكان بالإحياء فقد قال
أبو الخطاب : إنهما كالذمي في ذلك ، ولو سلم أنهما ليسا كالذمي فالفرق بينهما ظاهر ، فإنا لا نقر الحربي المستأمن في دار الإسلام كما نقر الذمي .