[
تزوير يهود خيبر كتابا في إسقاط الجزية عنهم : ]
فإن قيل : فلم يأخذها من أهل
خيبر بعد نزولها ؟ قيل : كان قد تقدم صلحه لهم على إقرارهم في الأرض بنصف ما يخرج منها ما شاء ، فوفى لهم عهدهم ولم يأخذ منهم غير ما شرط عليهم ، فلما أجلاهم
عمر رضي الله عنه إلى
الشام ظنوا أنهم يستمرون على أن يعفوا منها فزوروا كتابا يتضمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقطها عنهم بالكلية ، وقد صنف
الخطيب والقاضي وغيرهما في إبطال ذلك الكتاب تصانيف ذكروا فيها وجوها تدل على أن ذلك الذي بأيديهم موضوع باطل .
قال شيخنا : " ولما كان عام إحدى وسبعمائة أحضر جماعة من يهود
دمشق عهودا ادعوا أنها قديمة ، وكلها بخط
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد غشوها بما يقتضي تعظيمها ، وكانت قد نفقت على ولاة الأمور من مدة طويلة ، فأسقطت عنهم الجزية بسببها وبأيديهم تواقيع ولاة ، فلما وقفت عليها تبين في نفسها ما يدل على كذبها من وجوه كثيرة جدا .
[ ص: 170 ] منها : اختلاف الخطوط اختلافا متفاقما في تأليف الحروف الذي يعلم معه أن ذلك لا يصدر عن كاتب واحد ، وكلها نافية أنه خط
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ومنها : أن فيها من اللحن الذي يخالف لغة العرب ما لا يجوز نسبة مثله إلى
علي رضي الله عنه ولا غيره .
ومنها : الكلام الذي لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق
اليهود مثل قوله : " أنهم يعاملون بالإجلال والإكرام " وقوله : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " وقوله : " أحسن الله بكم الجزاء " وقوله : " وعليه أن يكرم محسنكم ويعفو عن مسيئكم " وغير ذلك .
ومنها : أن في الكتاب إسقاط الخراج عنهم مع كونهم في
أرض الحجاز ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضع خراجا قط ،
وأرض الحجاز لا خراج فيها بحال ، والخراج أمر يجب على المسلمين ، فكيف يسقط عن أهل الذمة .
ومنها : أن في بعضها
إسقاط الكلف والسخر عنهم ، وهذا مما فعله الملوك المتأخرون لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه .
وفي بعضها أنه شهد عنده
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك وغيرهما من أحبار
اليهود ،
nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك لم يكن من أحبار
اليهود فاعتقدوا أنه
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك ، وذلك لم يكن من الصحابة وإنما أسلم على عهد
عمر رضي الله عنه .
ومنها : أن لفظ الكلام ونظمه ليس من جنس كلام النبي صلى الله
[ ص: 171 ] عليه وسلم .
ومنها : أن فيه من الإطالة والحشو وما لا يشبه عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفيها وجوه أخر متعددة مثل أن هذه العهود لم يذكرها أحد من العلماء المتقدمين قبل
nindex.php?page=showalam&ids=13269ابن شريح ، ولا ذكروا أنها رفعت إلى أحد من ولاة الأمور فعملوا بها ، ومثل ذلك مما يتعين شهرته ونقله .
قلت : ومنها أن هذا لم يروه أحد من مصنفي كتب السير والتاريخ ، ولا رواه أحد من أهل الحديث ولا غيرهم ألبتة ، وإنما يعرف من جهة
اليهود ومنهم بدأ وإليهم يعود .