251 - فصل
قالوا : " ولا نتكنى بكناهم " .
وهذا لأن الكنية وضعت تعظيما وتكريما للمكنى بها كما قال :
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوأة اللقبا
وأيضا ففي
تكنيهم بكنى المسلمين اشتباه بالكنية ، والمقصود التمييز حتى في الهيئة والمركب واللباس .
فإن قيل : فما تقولون في جواز
تسميهم بأسماء المسلمين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله وعبد الرحمن وما أشبهها ؟
[ ص: 1317 ] قيل : هذا موضع فيه تفصيل ، فنقول : الأسماء ثلاثة أقسام :
[ الأول ] : قسم يختص المسلمين .
[ والثاني ] : قسم يختص الكفار .
[ والثالث ] : قسم مشترك .
فالأول :
كمحمد وأحمد وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فهذا النوع لا يمكنون من التسمي به ، والمنع منه أولى من المنع من التكني بكناية المسلمين ، فصيانة هذه الأسماء عن أخابث خلق الله أمر جسيم .
والثاني :
كجرجس وبطرس ويوحنا ومتى ونحوها ، فلا يمنعون منه ولا يجوز للمسلمين أن يتسموا بذلك ؛ لما فيه من المشابهة فيما يختصون به .
والنوع الثالث :
كيحيى وعيسى وأيوب وداود وسليمان وزيد وعمر وعبد الله وعطية وموهوب وسلام ونحوها ، فهذا لا يمنع منه
أهل الذمة ولا المسلمون .
[ ص: 1318 ] فإن قيل : فكيف تمنعونهم من التسمي بأسماء المسلمين وتمكنونهم من التسمية بأسماء الأنبياء
كيحيى وعيسى وداود وسليمان وإبراهيم ويوسف ويعقوب ؟
قيل : لأن هذه الأسماء قد كثر اشتراكها بين المسلمين والكفار بخلاف أسماء الصحابة واسم نبينا فإنها مختصة ، فلا يمكن
أهل الذمة من التسمي بها .
وقد قال
الخلال في " الجامع " باب في
أهل الذمة يكنون :
أخبرني
حرب قال : قلت
لأحمد :
أهل الذمة يكنون ؟ قال : نعم ؛ لا بأس ، وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قد كنى .
أخبرني
محمد بن أبي هارون أن
إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال رأيت
أبا عبد الله كنى نصرانيا طبيبا ، قال : يا
أبا إسحاق ، ثم أخرج إلي فيه بابا .
أخبرنا
أحمد بن محمد بن حازم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور أنه قال
لأبي عبد الله : يكره أن يكنى غير المسلم ؟ فقال : أليس النبي صلى الله
[ ص: 1319 ] عليه وسلم حين دخل [ على ]
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة قال : "
ما ترى ما يقول أبو الحباب ؟ "
أخبرني
محمد بن أبي هارون أن
أبا الحارث حدثهم قال : سألت
أبا عبد الله : أيكنى الذمي ؟
قال : نعم ؛ قد روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران : أسلم يا أبا الحارث .
[ ص: 1320 ] أخبرني
أحمد بن محمد بن مطر وزكريا بن يحيى قالا : ثنا
أبو طالب أنه سأل
أبا عبد الله : يكني الرجل
أهل الذمة ؟ قال : قد
كنى النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران وعمر رضي الله عنه قال : يا
أبا حسان ، إن كنى أرجو أنه لا بأس به .
أخبرني [
محمد ] بن علي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17163مهنا قال : سألت
أحمد : هل يصلح تكني اليهودي والنصراني ؟ فحدثني
أحمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن
أيوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لنصراني :
[ ص: 1321 ] أسلم يا
أبا حسان ، أسلم تسلم .
قلت : ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة ، فإن كان في كنيته تمكينه من اللباس وترك الغيار والسلام عليه أيضا ، ونحو ذلك تأليفا له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام ، فتألفه بذلك أولى ، وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كتب إلى رجل من
أهل الكتاب : " سلام عليك " .
ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق تبين له حقيقة الأمر ، وعلم أن كثيرا من هذه الأحكام التي ذكرناها من الغيار وغيره تختلف باختلاف الزمان والمكان والعجز والقدرة والمصلحة والمفسدة .
ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا
أبو بكر رضي الله عنه ، وغيرهم
عمر رضي الله عنه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف
[ ص: 1322 ] نجران :
أسلم يا أبا الحارث . تأليفا له واستدعاء لإسلامه لا تعظيما له وتوقيرا .