[ ص: 1392 ] 273 - فصل
[ بيان معنى الكبت ] .
الدليل الثامن :
قوله تعالى : ( إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) والكبت : الإذلال والخزي والتصريع على الوجه .
قال
النضر وابن قتيبة : هو الغيظ والحزن .
وقال أهل التفسير : كبتوا أهلكوا وأخزوا وحزنوا ، وإذا كان المحاد مكبوتا فلو كان آمنا على نفسه وماله لم يكن مكبوتا بل مسرورا جذلا يشفي صدره من الله ورسوله آمنا على دمه وماله ، فأين الكبت إذن ؟
[ ص: 1393 ] ويدل عليه قوله : (
كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) فخوفهم بكبت نظير كبت من قبلهم ، وهو الإهلاك من عنده أو بأيدي عباده وأوليائه .
وقوله : (
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) عقيب قوله : (
إن الذين يحادون الله ورسوله ) دليل على أن [ المحادة ] مغالبة ومعاداة حتى يكون أحد المحادين غالبا ، وهذا إنما يكون بين أهل الحرب لا أهل السلم ، فعلم أن المحاد ليس بمسالم فلا يكون له أمان مع المحادة ، وقد جرت سنة الله سبحانه أن الغلبة لرسله بالحجة والقهر ، فمن أمر منهم بالحرب نصر على عدوه ، ومن لم يؤمر بالحرب أهلك عدوه .
يوضحه أن المحادة مشاقة ؛ لأنها من الحد والفصل والبينونة ، وكذلك المشاقة من الشق ، وكذلك المعاداة من العدوة وهي الجانب ، يكون أحد العدوين في شق وجانب وحد ، وعدوه الآخر في غيرها ، والمعنى في ذلك كله معنى المقاطعة والمفاصلة ، وذلك لا يكون إلا مع انقطاع الحبل الذي بيننا وبين أهل العهد لا يكون مع اتصال الحبل أبدا .
يوضحه أن الحبل وصلة وسبب ، فلا يجامع المفاصلة والمباينة .
وأيضا فإنها إذا كانت بمعنى المشاقة فقد قال تعالى :
[ ص: 1394 ] (
فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن [ يشاقق ] الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) فأمر بضرب أعناقهم ، وعلل ذلك بمشاقتهم [ ومحادتهم ] وكل من فعل ذلك وجب أن يضرب عنقه ، وهذا دليل تاسع في المسألة .
وترتيبه هكذا : هذا مشاق لله ورسوله ، والمشاق لله ورسوله مستحق ضرب العنق ، وقد تبينت صحة المقدمتين .
ونظير هذا الاستدلال قوله تعالى : (
ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) والتعذيب في الدنيا هو القتال والإهلاك ، ثم علل ذلك بالمشاقة ، وأخر عنهم ذلك التعذيب لما سبق من كتابة الجلاء عليهم ، فمن وجدت منه المشاقة من غيرهم ممن لم يكتب عليه الجلاء استحق عذاب الدنيا الذي أخره عن أولئك ، وهذا دليل عاشر في المسألة .