43 - فصل
[ أصل وضع الخراج ]
وأما
أصل وضع الخراج فقال
أبو عبيد :
حدثنا
الأنصاري [ محمد بن عبد الله - قال
أبو عبيد : ] ولا أعلم
إسماعيل بن إبراهيم إلا وقد حدثناه أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن
أبي مجلز لاحق بن حميد : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر إلى أهل
الكوفة على صلاتهم وجيوشهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=5541وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، ثم فرض لهم في كل يوم شاة بينهم : شطرها وسواقطها
[ ص: 254 ] لعمار والشطر الآخر بين هذين .
ثم قال : ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريعا خرابها .
قال : فمسح
عثمان الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم ، وعلى جريب النخل خمسة دراهم ، وعلى جريب القصب ستة دراهم ، وعلى جريب البر أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين ، وعلى أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون بها في كل عشرين درهما درهما ، وجعل على رءوسهم - وعطل النساء والصبيان من ذلك - أربعة وعشرين كل سنة ، ثم كتب بذلك إلى
عمر رضي الله عنه فأجازه ورضي به ، فقيل
لعمر : تجار الحرب كم نأخذ منهم إذا قدموا علينا ؟ قال : فكم يأخذون منكم إذا قدمتم عليهم ؟ قالوا : العشر ، قال : فخذوا منهم العشر .
حدثنا
أبو معاوية عن
الشيباني عن
محمد بن عبيد الله الثقفي قال : وضع
عمر رضي الله عنه على أهل السواد على كل جريب عامر [ أو
[ ص: 255 ] غامر ] درهما وقفيزا ، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة ، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة ، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة ، وعلى رءوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر .
حدثنا
إسماعيل بن مجالد عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن
عمر رضي الله عنه بعث
nindex.php?page=showalam&ids=5541عثمان بن حنيف ، فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، فوضع على كل جريب درهما وقفيزا .
[ ص: 256 ] قال
أبو عبيد : " فأرى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي هذا غير تلك الأحاديث ألا ترى أن
عمر رضي الله عنه إنما كان أوجب الخراج على الأرض خاصة بأجرة مسماة في حديث
مجالد ، وإنما يذهب الخراج مذهب الكراء وكأنه أكرى كل جريب بدرهم وقفيز في السنة وألغى من ذلك النخل والشجر فلم يجعل لها أجرة " .
قال : " وهذا حجة لمن قال : السواد فيء للمسلمين ، وإنما أهلها عمال لهم فيها بكراء معلوم يؤدونه ، ويكون باقي ما تخرج الأرض لهم ، وهذا لا يجوز إلا في الأرض البيضاء ولا يكون في النخل والشجر ; لأن قبالتهما لا تطيب بشيء مسمى فيكون بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يخلق ، وهذا الذي كرهه الفقهاء من القبالة " .
[ ص: 257 ] حدثنا
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد الإفريقي قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : إنا نتقبل الأرض فنصيب من ثمارها ، قال
أبو عبيد : يعني الفضل ، قال : ذلك الربا العجلان .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
حميد عن
الحسن قال : جاء رجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما فقال : أتقبل منك الأبلة بمائة ألف ، فضربه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مائة وصلبه حيا .
[ ص: 258 ] حدثنا
عبد الرحمن عن
سفيان عن
أبي إسحاق عن
أبي هلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : القبالات حرام .
حدثنا
عبد الرحمن عن
شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15621جبلة بن سحيم قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول القبالات ربا .
قال
أبو عبيد : معنى هذه القبالة المكروهة المنهي عنها أن يتقبل الرجل النخل والشجر والزرع النابت قبل أن يستحصد ويدرك ، وهو مفسر في حديث يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
[ ص: 259 ] حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام عن
الشيباني قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن الرجل يأتي القرية فيتقبلها وفيها النخل والشجر والزرع والعلوج فقال : لا يتقبلها فإنه لا خير فيها .
قال
أبو عبيد : وإنما أصل كراهة هذا أنه بيع ثمر لم يبد صلاحه ولم يخلق بشيء معلوم .
فأما المعاملة على الثلث والربع وكراء الأرض البيضاء فليسا من القبالات ولا يدخلان فيها ، وقد رخص في هذين ولا نعلم المسلمين اختلفوا في كراهة القبالات انتهى .
وهذا الذي ذهب إليه
أبو عبيد هو المعروف عند الأئمة الأربعة ، وجعلوا كراء الشجر بمنزلة بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه ، ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا : ليست إجارة الشجر من بيع الثمر في شيء وإنما هي بمنزلة إجارة الأرض لمن يقوم عليها ويزرعها ليستغلها .
وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، وأحد الوجهين في مذهب
أحمد اختاره شيخنا
nindex.php?page=showalam&ids=13372وأبو الوفاء بن عقيل وهو الذي نختاره .
[ ص: 260 ] وقد فعله أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسائل ابنه
صالح ، أنه قبل حديقة
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير ثلاث سنين وقضى به دينا كان عليه ولم ينكره على
عمر أحد من الصحابة مع شهرة هذه القصة ، وهذا إن لم يكن إجماعا إقراريا فهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا نعلم له مخالفا .
ومن العجب أخذ
أبي عبيد بحديث
مجالد - وهو ضعيف - عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
عمر وهو منقطع ، وإنما فيه السكوت عن جريب الشجر لم يذكره بنفي ولا إثبات ، وتركه حديث
أبي معاوية عن
الشيباني عن
محمد بن عبيد الله الثقفي ، وهؤلاء كلهم أئمة حفاظ وقد حفظ الثقفي ما لم يحفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وأنه جعل على جريب الكرم عشرة دراهم ، قال : ولم يذكر النخل وهذا يدل على أنه حفظ القصة وميز بين ما ذكره وما لم يذكره ، فهذا
عمر nindex.php?page=showalam&ids=5541وعثمان بن حنيف قد وضعا على الشجر أجرة لازمة مؤبدة ، ولا مخالف لهم من الصحابة .
وقد صرح
أبو عبيد والفقهاء من بعده بأن الخراج أجرة .
قال : ومعنى الخراج في كلام العرب إنما هو الكراء والغلة ، ألا تراهم يسمون غلة الأرض والدار والمملوك خراجا .
[ ص: 261 ] ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350285أنه قضى أن الخراج بالضمان " .
[ ص: 262 ] وكذلك حديثه الآخر أنه احتجم ، حجمه
أبو طيبة فأمر له بصاعين وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه .
فسمى الغلة خراجا فأرض العنوة يؤدي أهلها إلى الإمام الخراج كما يؤدي مستأجر الأرض والدار كراءها إلى ربها الذي يملكها ، ويكون للمستأجر ما زرع وغرس فيها .
ولما علم
أبو عبيد أن وضع الخراج على جريب الشجر إجارة له قال : أرى حديث
مجالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي هو المحفوظ ، وقام
أبو عبيد وقعد في فعل
عمر رضي الله عنه هذا ، وقال : لا أعرف وجهه وهي القبالة المكروهة ، وقد بينا أن حديث
الشيباني أصح وأصرح ويؤيده تقبيل حديقة
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير ، ومعه القياس ومصلحة الناس ، فإنه لا فرق في القياس بين إجارة الأرض لمن يقوم عليها حتى تنبت وبين إجارة الشجر لمن يقوم عليها حتى تطلع ، كلاهما في القياس سواء .
[ ص: 263 ] فإن قيل : مستأجر الأرض هو الذي يبذرها قيل : قد يستأجرها لما ينبت فيها من الكلأ ، وكونه يبذرها مثل قيامه على الشجر بالسقي والزبار والإصلاح ، وقد حكم الله سبحانه بصحة إجارة الظئر للبنها وهو بمنزلة إجارة الشجر لثمرها ، وطرد هذا ما جوزه
مالك وغيره من
إجارة الشاة والبقرة للبنها مدة معلومة ، وهذا أحد الوجهين في مذهب
أحمد اختاره شيخنا .
والفرق بين إجارة الشجر لمن يخدمها ويقوم عليها حتى تثمر ، وبين بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أوجه .
أحدها : أن العقد هنا وقع على بيع عين وفي الإجارة وقع على منفعة ، وإن كان المقصود منها العين فهذا لا يضر كما أن المقصود من منفعة الأرض المستأجرة للزراعة العين .
الثاني : أن المستأجر يتسلم الشجر فيخدمها ويقوم عليها كما يتسلم الأرض ، وفي البيع البائع هو الذي يقوم على الشجر ويخدمها وليس للمشتري الانتفاع بظلها ولا رؤيتها ولا نشر الثياب عليها ، فأين أحد الرأيين من الآخر ؟
الثالث : أن إجارة الشجر عقد على عين موجودة معلومة لينتفع بها في سائر وجوه الانتفاع ، وتدخل الثمرة تبعا ، وإن كان هو المقصود كما قلتم في نفع البئر ولبن الظئر أنه يدخل تبعا وإن كان هو المقصود .
وأما البيع فعقد على عين لم تخلق بعد فهذا لون وهذا لون .
[ ص: 264 ] وسر المسألة أن الشجر كالأرض ، وخدمته والقيام عليه كشق الأرض وخدمتها والقيام عليها ومغل الزرع كمغل الثمر ، فإن كان في الدنيا قياس صحيح فهذا منه .
وأما ما حكاه
أبو عبيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهم من منع القبالة فليس مما نحن فيه بل هو من القبالة الفاسدة ، وهي أن يستأجر الرجل الضيعة بكل ما فيها من زرع وشجر وعلوج وما فيها من إجارة بيوت أو حوانيت وغير ذلك ، فيتقبل الجميع ويدفع إلى ربها مالا معلوما ، فهذه إجارة فاسدة تتضمن أنواعا من المحذور كما يفعله كثير من الناس ويسمونها الكراء ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما : ذلك الربا .
ومعلوم أن إجارة الشجر بالدراهم والدنانير لا يدخلها ربا ، والذي منعها لم يمنعها لأجل الربا ، وهذا بين في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال له الرجل : أتقبل منك الأبلة فلم يطلب منه إجارة الشجر بل يتقبل البلد كله بما فيه ، ويدفع إليه مالا معلوما فهذا لا يجيزه أحد ، وقد صرح بهذا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير فقال : " الرجل يأتي القرية فيتقبلها وفيها النخل والزرع والشجر والعلوج " ، فهذه هي القبالات المحرمة لا التي فعلها أمير المؤمنين وأقره عليها جميع الصحابة ، ولا تتم مصلحة الناس إلا بها كما لا تتم مصلحتهم إلا بإجارة الأرض ، فإن الرجل يكون له البستان وفيه الأشجار الكثيرة ولا يمكنه أن يفرد كل نوع ببيع إذا بدا صلاحه .
[ ص: 265 ] والمساقاة من الفقهاء من يمنعها
كأبي حنيفة ، ومنهم من يخصها بالنخل والكرم ، ومن جوزها في جميع الشجر فقد تتعذر عليه المساقاة في بستانه ، والرجل الذي له غرض في الثمار قد لا يحسن المساقاة ، فتتعطل مصلحة صاحب البستان ومصلحة المستأجر ، وفي هذا فساد لا تأتي به الشريعة .
ومصلحة الإجارة أعظم مما يقدر فيها من الفساد بكثير ، والشريعة جاءت بتقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة .
ولما كانت مصالح الناس لا تتم إلا بذلك وضع المانعون حيلا للجواز بأن يؤجروه بياض الأرض بأضعاف أضعاف ما تساوي ، ثم يساقونه على ثمر الشجر بأدنى أدنى ما يكون فلا الإجارة مقصودة لهما ولا المساقاة فقد دخلا على عقد لم يقصده واحد منهما ، فالذي قصده هذا وهذا حرام والذي عقدا عليه لم يقصداه ولم تكن هذه المسألة من مقصود الكتاب ، وإنما وقعت في طريق الخراج الذي هو أخو الجزية وشقيقها .
وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الخراج في الحديث الصحيح
[ ص: 266 ] المتفق عليه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350286منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام دينارها ومديها ، ومنعت مصر دينارها وإردبها وعدتم كما بدأتم " ثلاث مرات .
والمعنى : سيمنع ذلك في آخر الزمان .