60 - فصل
[ في أحكام أرض
مكة ]
ولا خراج على مزارع مكة وإن فتحت عنوة .
وقيل : يضرب عليها الخراج كسائر أرض العنوة ، وهذا القول من أقبح الغلط في الإسلام ، وهو مردود على قائله ،
ومكة أجل وأعظم من أن يضرب على أرضها الجزية ، وهي حرم الله وأمنه ودار نسك الإسلام ، وقد
[ ص: 285 ] أعاذها الله مما هو دون الخراج بكثير ، وهذا القول استدراك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى
أبي بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم إلى زمن هذا القائل ، وكيف يسوغ ضرب الخراج الذي هو أخو الجزية وشقيقها ورضيع لبنها على خير بقاع الله وأحبها إلى الله ودار النسك ، ومتعبد الأنبياء وقرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أخرجته ، وحرم رب العالمين وأمنه ومحل بيته وقبلة أهل الأرض .
قال
أبو عبيد :
صحت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه افتتح مكة وأنه من على أهلها ، فردها عليهم فلم يقسمها ولم يجعلها فيئا فرأى بعض الناس أن هذا الفعل جائز للأئمة بعده .
ولا نرى
مكة يشبهها شيء من البلاد من جهتين :
إحداهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد خصه الله من الأنفال والغنائم بما لم يجعله لغيره وذلك لقوله تعالى :
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ، فنرى هذا كان خاصا له .
والجهة الأخرى : أنه قد سن
لمكة سننا لم يسنها لشيء من سائر البلاد .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
إسرائيل عن
إبراهيم بن مهاجر عن
[ ص: 286 ] nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك عن أمه عن
عائشة رضي الله عنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350288قلت يا رسول الله ألا تبني لك بيتا أو بناء يظلك من الشمس ؟ - تعني بمنى - فقال : " إنما هي مناخ لمن سبق " .
وحدثنا
أبو معاوية عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
مجاهد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
إن مكة حرام حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها " .
[ ص: 287 ] وحدثنا
إسرائيل عن
إبراهيم بن مهاجر عن
مجاهد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350289إن مكة حرام - أراه رفعه - قال : مكة مناخ لا يباع رباعها ، ولا تؤخذ إجارتها ، ولا تحل ضالتها إلا لمنشد " .
[ ص: 288 ] وحدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة الحراني عن
أبي عبد الرحيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير بنحوه ، وروايته : "
لا تحل غنائمها " .
[ ص: 289 ] حدثنا
وكيع عن عبيد الله بن أبي زياد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو قال : "
من أكل أجور بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نار جهنم " .
حدثنا
أبو إسماعيل المؤدب عن
عبد الله بن مسلم بن هرمز عن
عطاء أنه كره الكراء
بمكة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قرأت كتاب
عمر بن [ ص: 290 ] عبد العزيز إلى الناس : ينهى عن كراء بيوت
مكة .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12408إسحاق الأزرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16486عبد الملك بن أبي سليمان قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز إلى أمير
مكة : ألا يدع
أهل مكة يأخذون على بيوت
مكة أجرا فإنه لا يحل لهم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن
عمر أنه نهى أن تغلق دور
مكة دون الحاج ، وأنهم يضطربون فيما وجدوا منها فارغا .
حدثنا
أبو إسماعيل يعني المؤدب عن
عبد الله بن مسلم بن هرمز عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال :
الحرم كله مسجد .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر عن
إسرائيل عن
ثوير عن
مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
الحرم كله مسجد .
[ ص: 291 ] قلت : ويدل عليه قوله تعالى :
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، وهذا
لمكة كلها .
قال
أبو عبيد : فإذا كانت
مكة هذه سننها أنها مناخ من سبق إليها ، وأنها لا تباع رباعها ولا يطيب كراء بيوتها ، وأنها مسجد لجماعة المسلمين ، فكيف تكون هذه غنيمة فتقسم بين قوم يحوزونها دون الناس ، أو تكون فيئا فتصير أرض خراج وهي أرض من أرض العرب الأميين الذين كان الحكم عليهم الإسلام أو القتل فإذا أسلموا كانت أرضهم أرض العشر ولا تكون خراجا أبدا ؟ ثم جاء الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مفسرا حين قال : "
لا تحل غنائمها " .
قال : فليس تشبه
مكة شيئا من البلاد لما خصت به ، فلا حجة لمن زعم أن الحكم على غيرها كالحكم عليها ، وليست تخلو بلاد العنوة - سوى
مكة - من أن تكون غنيمة كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بخيبر أو تكون فيئا كما فعل
عمر رضي الله عنه بأرض السواد وغيره من أرض
الشام ومصر ، انتهى .
فغلط في
مكة طائفتان : طائفة ألحقت غيرها بها فجوزت ألا تقسم ولا يضرب عليها خراج ولا تكون فيئا ، وطائفة شبهت
مكة بغيرها فجوزت قسمتها ، وضرب الخراج عليها وهي أقبح الطائفتين وأسوءهم مقالة ، وبالله التوفيق .