78 - فصل .
وأما
أبو حنيفة رحمه الله تعالى فعنده : لهم
دخول الحرم كله حتى الكعبة نفسها ، ولكن لا يستوطنون به .
وأما
الحجاز فلهم الدخول إليه والتصرف فيه والإقامة بقدر قضاء حوائجهم ، وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله تعالى قاس دخولهم
مكة على دخولهم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يصح هذا القياس فإن
لحرم مكة أحكاما يخالف بها
المدينة ، على أنها ليست عنده
حرما .
[ ص: 399 ] فإن قيل : الله سبحانه إنما منع المشركين من قربان
المسجد الحرام ، ولم يمنع أهل الكتاب منه : ولهذا
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350318أذن مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحج الأكبر : " أنه لا يحج بعد العام مشرك " والمشركون الذين كانوا يحجون هم عبدة الأوثان لا أهل الكتاب فلم يتناولهم المنع .
قيل : للناس قولان في دخول أهل الكتاب في لفظ المشركين .
[ الأول : ]
فابن عمر وغيره كانوا يقولون : هم من المشركين .
قال
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : لا أعلم شركا أعظم من أن يقول
المسيح ابن الله
وعزيز ابن الله وقد قال تعالى فيهم :
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون .
والثاني : لا يدخلون في لفظ " المشركين " ; لأن الله سبحانه جعلهم غيرهم في قوله :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا .
قال شيخنا : " والتحقيق أن أصل دينهم دين التوحيد فليسوا من المشركين في الأصل ، والشرك طارئ عليهم فهم منهم باعتبار ما عرض لهم لا باعتبار أصل الدين ، فلو قدر أنهم لم يدخلوا في لفظ الآية دخلوا
[ ص: 400 ] في عمومها المعنوي وهو كونهم نجسا ، والحكم يعم بعموم علته .
فإن قيل : فالآية نبهت على دخولهم
الحرم عوضا عن دخول عباد الأوثان فإنه سبحانه قال :
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ، فإنها لما نزلت انقطع عنهم ما كان المشركون يجلبون إليهم من الميرة ، فأعاضهم الله بالجزية .
قيل : ليس في هذا ما يدل على دخول أهل الجزية
المسجد الحرام بوجه ما ، بل تؤخذ منهم الجزية وتحمل إلى من
بالمسجد الحرام وغيره ، على أن الإغناء من فضل الله وقع بالفتوح والفيء والتجارات التي حملها المسلمون إلى
مكة .
فإن قيل : فالآية إنما منعت قربانهم
المسجد الحرام خاصة ، فمن أين لكم تعميم الحكم
للحرم كله ؟ قيل :
المسجد الحرام يراد به في كتاب الله تعالى ثلاثة أشياء ، نفس البيت ، والمسجد الذي حوله ،
والحرم كله .
فالأول : كقوله تعالى :
فول وجهك شطر المسجد الحرام .
والثاني : كقوله تعالى :
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ، على أنه قد قيل إن المراد به هاهنا
الحرم كله والناس سواء فيه .
والثالث : كقوله :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ،
[ ص: 401 ] وإنما أسرى به من داره من بيت
أم هانئ ، وجميع الصحابة والأئمة فهموا من قوله تعالى :
فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، أن المراد مكة كلها
والحرم ، ولم يخص ذلك أحد منهم بنفس المسجد الذي يطاف فيه .
ولما نزلت هذه الآية كانت اليهود
بخيبر وما حولها ولم يكونوا يمنعون من
المدينة كما في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350319أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 402 ] مات ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام أخذه لأهله فلم يجلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند نزولها من
الحجاز ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350320وأمر مؤذنه أن يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك .
فإن قيل : فما تقولون في دخولهم مساجد الحل ؟ قيل : إن دخلوها بغير إذن منعوا من ذلك ولم يمكنوا منه ; لأنهم نجس والجنب والحائض أحسن حالا منهم وقد منعا من دخول المساجد .
[ ص: 403 ] [ ص: 404 ] [ ص: 405 ] [ ص: 406 ] وإن دخلوها بإذن مسلم ففيه قولان للفقهاء هما روايتان عن
أحمد .
ووجه الجواز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل الوفود من الكفار في مسجده ، فأنزل فيه وفد
نجران ووفد
ثقيف وغيرهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : كان
أبو سفيان يدخل
مسجد المدينة وهو على شركه .
وقدم عمير بن وهب - وهو مشرك - فدخل المسجد والنبي صلى [ ص: 407 ] الله عليه وسلم فيه ليفتك به ، فرزقه الله تعالى الإسلام .
ووجه المنع أنهم أسوأ حالا من الحائض والجنب ; فإنهم نجس بنص القرآن ، والحائض والجنب ليسا بنجس بنص السنة .
ولما دخل
أبو موسى على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وهو في المسجد أعطاه كتابا فيه حساب عمله ، فقال له
عمر : ادع الذي كتبه ليقرأه ، فقال : إنه لا يدخل المسجد قال ولم ؟ قال إنه نصراني .
وهذا يدل على شهرة ذلك بين الصحابة ، ولأنه قد انضم إلى حدث جنابته حدث شركه فتغلظ المنع .
وأما دخول الكفار مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ذلك لما كان بالمسلمين حاجة إلى ذلك ، ولأنهم كانوا يخاطبون النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهودهم ، ويؤدون إليه الرسائل ، ويحملون منه الأجوبة ويسمعون منه الدعوة ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخرج من المسجد لكل من قصده من الكفار ، فكانت المصلحة في دخولهم - إذ ذاك -
[ ص: 408 ] المسجد لكل من قصده من الكفار ، فكانت المصلحة في دخولهم إذ ذاك أعظم من المفسدة التي فيه ، بخلاف الجنب والحائض فإنه كان يمكنهما التطهر والدخول إلى المسجد .
وأما الآن فلا مصلحة للمسلمين في دخولهم مساجدهم والجلوس فيها ، فإن دعت إلى ذلك مصلحة راجحة جاز دخولها بلا إذن والله أعلم .