صفحة جزء
قوله تعالى : فبغى عليهم وفيه خمسة أقوال : أحدها : أنه جعل لبغية جعلا على أن تقذف موسى بنفسها ، ففعلت فاستحلفها موسى على ما قالت فأخبرته بقصتها . فهذا بغيه . قاله ابن عباس . والثاني : أنه بغى بالكفر . قاله الضحاك ، والثالث : بالكبر . قاله قتادة . والرابع : أنه زاد في طول ثيابه شبرا ، قاله عطاء الخراساني وشهر بن حوشب ، والخامس : أنه كان يخدم فرعون ويتعدى على بني إسرائيل ويظلمهم ، حكاه الماوردي .

وفي المراد بمفاتحه قولان : أحدهما : أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب ، [ ص: 211 ] قاله مجاهد وقتادة ، قال خيثمة : كانت المفاتيح التي تفتح بها الأبواب وقر ستين بغلا ، وكانت من جلود ، كل مفتاح مثل الإصبع . والثاني : أن المراد بالمفاتيح الخزائن ، قاله السدي وأبو صالح والضحاك . قال الزجاج : وهذا الأشبه وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة . قال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا .

قوله تعالى : لتنوء بالعصبة أي تثقلهم وتميلهم . والعصبة : الجماعة . وفي المراد بها ههنا ستة أقوال : أحدها : أربعون رجلا . رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : ما بين الثلاثة إلى العشرة رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : خمسة عشر . قاله مجاهد . والرابع : فوق العشرة إلى الأربعين . قاله قتادة . والخامس : سبعون رجلا . قاله أبو صالح . والسادس : ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين . حكاه الزجاج .

قوله تعالى : إذ قال له قومه يعني المؤمنين لا تفرح أي لا تبطر وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة يعني الجنة بإنفاقه في طاعته . ولا تنس نصيبك من الدنيا وهو أن تعمل فيها للآخرة وأحسن بإعطاء فضل مالك كما أحسن الله إليك بأن زادك على قدر حاجتك ولا تبغ الفساد بأن تعمل بالمعاصي .

قال إنما أوتيته على علم عندي فيه خمسة أقوال : أحدها : على علم عندي بصنعة الذهب . رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : وهذا لا أصل له ، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له . والثاني : رضا الله عني . قاله ابن زيد . والثالث : على خير علمه الله مني . قاله مقاتل . والرابع : إنما أعطيته بفضل علمي . قاله الفراء . والخامس : على علم عندي بوجوده المكاسب . ذكره الماوردي .

قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب .

فخرج على قومه في زينته في ثياب حمر وصفر . قال عكرمة : في ثياب معصفرة . قال وهب بن منبه : خرج على بغلة شهباء عليها سرج أحمر من أرجوان ، ومعه أربعة آلاف مقاتل وثلاثمائة وصيفة عليهن الحلي والزينة ، على بغال بيض ، قال الزجاج : الأرجوان : صبغ أحمر .

[ ص: 212 ] قوله تعالى : ولا يلقاها يعني الكلمة التي قالها المؤمنون وهي : ثواب الله خير " .

قال ابن عباس : لما نزلت الزكاة أتى موسى وهارون قارون فصالحه على كل ألف دينار دينارا ، وعلى كل ألف درهم درهما ، وعلى كل ألف شاة شاة . فوجد ذلك مالا كثيرا فجمع بني إسرائيل وقال : إن موسى يريد أموالكم . قالوا : فماذا تأمرنا ؟ قال : نجعل لفلانة البغية جعلا فتقذفه بنفسها . ففعلوا . ثم أتاه قارون فقال : إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم . فخرج فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة فإن كانت له امرأة جلدناه حتى يموت . فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة . قال : ادعوها : فلما جاءت قال موسى : يا فلانة أنا فعلت ما يقول هؤلاء ؟ قالت : لا كذبوا ، وإنما جعلوا لي جعلا على أن أقذفك . فسجد فأوحى الله عز وجل إليه : مر الأرض بما شئت . فقال : يا أرض خذيه . فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى ذلك ناشده بالرحم فقال : خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه ، فما زال يقول : خذيه . حتى غيبته فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ما أفظك ! وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته !

قال سمرة بن جندب : يخسف به كل يوم قامة ، فيبلغ به إلى الأرض السفلى يوم القيامة .

فلما هلك قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره . فخسف الله بداره وبماله بعد ثلاثة أيام .

فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله أي يمنعونه من الله .

فأصبح المتمنون مكانه قد ندموا على تمنيهم ، فجعلوا يقولون : لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه قال ابن الأنباري : إن شئت قلت : « ويك » حرف و « أنه » حرف . والمعنى : ألم تر أنه قال الشاعر :


تسألاني الطلاق أن ترياني قل مالي قد جئتما بهجر     ويك أن من يكن له نشب
يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر

وإن شئت جعلت « وي » حرفا ويكون معنى « وي » التعجب كما تقول : وي ! لم فعلت [ ص: 213 ] كذا ؟ ويكون معنى « كأنه » أظنه وأعلمه ، كما تقول : كأنك بالفرج قد أقبل . والمعنى أظنه مقبلا . وإنما وصلوا الياء بالكاف لأن الكلام بهما كثر .

وذكر الزجاج عن الخليل أنه قال : « وي » مفصولة من « كأن » وذلك أن القوم ندموا فقالوا : وي . متندمين على ما سلف منهم .

تلك الدار الآخرة يعني الجنة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض وهو البغي ولا فسادا وهو العمل بالمعاصي والعاقبة المحمودة للمتقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية