المجلس التاسع عشر :
في
قصة داود عليه السلام
الحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب ومنزل الكتاب ، حفظ الأرض بالجبال من الاضطراب ، وقهر الجبارين وأذل الصعاب ، وسمع خفي النطق ومهموس الخطاب ، وأبصر فلم يستر نظره حجاب ، أنزل القرآن يحث فيه على اكتساب الثواب ، وزجر عن أسباب العقاب
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ابتلى المصطفين بالذنوب ليعلم أنه تواب ، أما سمعت بزلة
آدم وما جرى من عتاب
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب .
أحمده على رفع الشك والارتياب ، وأشكره على ستر الخطايا والعاب ، وأقر له بالتوحيد إقرارا نافعا يوم الحساب ، وأعترف لنبيه
محمد أنه لباب اللباب ، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر خير الأصحاب ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الذي إذا ذكر في مجلس طاب ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان المقتول ظلما وما تعدى الصواب ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي البدر يوم
بدر والصدر يوم الأحزاب ، وعلى عمه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس الذي نسبه أشرف الأنساب .
اللهم يا من ذلت جميع الرقاب وجرت بأمره عزالي السحاب ، احفظنا في الحال والمآب ، وألهمنا التزود قبل حلول التراب ، وارزقنا الاعتبار بسالفي الأتراب ، وأرشدنا عند السؤال إلى صحيح الجواب ، وهب لشيبنا معاصي الشباب ، وارزقني والحارضين عمارة القلوب الخراب ، برحمتك يا كريم يا وهاب .
قال الله عز وجل : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب المعنى : قد أتاك فاستمع له نقصصه عليك .
والخصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى
تسوروا يدل على علو والمحراب ها هنا كالغرفة . قال الشاعر :
ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما
إذ دخلوا على داود وهو
داود بن إيشا بن عويد من نسل يهوذا بن يعقوب .
وكان مبدأ أمره أن الله تعالى لما بعث
طالوت ملكا خرج من بني إسرائيل معه ثمانون
[ ص: 230 ] ألفا لقتال
جالوت ، فقالوا لا طاقة لنا اليوم
بجالوت وجنوده ، فلم يثبت معه غير ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وكان فيهم أبو
داود وثلاثة عشر ابنا له ،
وداود أصغرهم ، وإنه مر بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن : يا
داود خذنا معك تقتل بنا
جالوت . فأخذهن ومشى إلى
جالوت فوضعهن في قذافته فصارت حجرا واحدا ثم أرسله فصك به بين عيني
جالوت فقتله ، ثم هلك
طالوت فملك داود وجعله الله نبيا ، وأنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد وألانه له ، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه ، وكان إذا قرأ الزبور خضع له الوحش حتى تؤخذ بأعناقها .
وكان كثير التعبد ، فتذاكر بنو إسرائيل يوما عنده : هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر أنه يطيق ذلك ، فابتلي يوم عبادته بالنظر ، وذلك أنه رأى طائرا في محرابه فمد يده إليه فتنحى فأتبعه بصره فإذا بامرأة فخطبها ، مع علمه أن
أوريا قد خطبها ، فتزوجها ، فاغتم
أوريا ، فعوتب إذ لم يتركها لخاطبها الأول .
هذا أجود ما قيل في فتنته ويدل عليه قوله تعالى :
وعزني في الخطاب .
فأما ما ينقل أن زوجها بعث في الغزوات حتى قتل ، فلا يجوز أن يكون صحيحا .
فجاءه الملكان فتسورا عليه من سور داره ففزع منهم لأنهما أتياه على غير صفة مجيء الخصوم وفي غير وقت الحكومة وتسوروا من غير إذن
و خصمان مرفوع بإضمار نحن .
وهذا مثل ضرباه له والتقدير : ما تقول إن جاءك خصمان ؟ وقال
ابن الأنباري : نحن كخصمين ومثل خصمين فسقطت الكاف وقام الخصمان مقامهما ، تقول العرب : عبد الله القمر حسنا . أي مثل القمر ، قالت
هند بنت عتبة : من حس لي الأخوين كال غصنين أو من راهما
أسدين في غيل يحي د القوم عن عرواهما
صقرين لا يتذللا ن ولا يباح حماهما
رمحين خطيين في كبد السماء تراهما
أرادت مثل أسدين ومثل صقرين ، ثم صرف الله النون والألف في
بعضنا إلى نحن المضمر ، كما تقول العرب : نحن قوم شرف أبونا ، ونحن قوم شرف أبوهم والمعنى واحد .
قوله تعالى : ولا تشطط ، أي لا تجر يقال شط وأشط إذا جار
واهدنا إلى سواء الصراط أي إلى قصد الطريق . والمعنى : احملنا إلى الحق .
[ ص: 231 ] فقال
داود : تكلما . فقال أحدهما :
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : كنى عن المرأة بالنعجة . قال المفسرون : إنما ذكر هذا العدد لأنه
عدد نساء داود فقال أكفلنيها أي انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها
وعزني في الخطاب أي غالبني قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن دعا ودعوت كان أكثر مني وإن بطش وبطشت كان أشد مني .