قوله تعالى : ردوها علي أي أعيدوا الخيل
فطفق أي أقبل
مسحا بالسوق وهي جمع ساق . وفي المراد بالمسح قولان :
أحدهما : أنه ضربها بالسيف . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . مسح أعناقها وسوقها بالسيف . وهو اختيار الجمهور .
والثاني : أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله ، حكاه
الثعلبي . والعلماء على الأول .
فإن قيل كيف نختار القول الأول وهي عقوبة لمن لم يذنب على وجه التشفي ، وهذا بفعل الجبارين أشبه منه بفعل الأنبياء ؟ فالجواب : أنه نبي معصوم ، فلم يكن ليفعل إلا ما قد أجيز له فعله ، وجائز أن يباح له ما يمنع منه في شرعنا . على أنه إذا ذبحها كان قربانا ، وأكل لحمها جائز ، فما وقع تفريط .
قال
وهب : لما فعل ذلك شكر الله تعالى له فعله ، فسخر له الريح مكانها .
قوله تعالى : ولقد فتنا سليمان أي ابتليناه بسلب ملكه
وألقينا على كرسيه أي على سريره
جسدا ، وهو شيطان يقال له صخر ولم يكن ممن سخر له
ثم أناب أي رجع عن ذنبه ، وقيل إلى ملكه .
وفي سبب ابتلائه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه كانت له امرأة ، وكانت بين بعض أهلها وبين قوم خصومة ، فقضى بينهم
[ ص: 243 ] بالحق ، إلا أنه ود أن لو كان الحق لأهلها . فعوقب إذ لم يكن هواه فيهم واحدا . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والثاني : أن هذه الزوجة كانت آثر النساء عنده ، فقالت له يوما : إن بين أخي وبين فلانة خصومة ، وإني أحب أن تقضي له . فقال : نعم . ولم يفعل فابتلي لأجل ما قال نعم . قاله
السدي . والثالث : أن هذه الزوجة كانت قد سباها فأسلمت ، وكانت تبكي الليل والنهار وتقول : أذكر أبي وما كنت فيه ، فلو أمرت الشياطين أن يصوروا صورته في داري أتسلى بها . ففعل . وكان إذا خرج تسجد له هي وولائدها ، فلما علم
سليمان كسر تلك الصورة وعاقب المرأة وولائدها واستغفر ، فسلط الشيطان عليه بذلك . هذا قول
وهب .
وفي كيفية ذهاب الخاتم قولان : أحدهما : أنه كان جالسا على شاطئ البحر فوقع منه . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه والثاني : أن شيطانا أخذه .
ثم في كيفية أخذه له أربعة أقوال : أحدها : أنه وضعه تحت فراشه ودخل الحمام فأخذه الشيطان فألقاه في البحر . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . والثاني : أن
سليمان قال للشيطان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك . فأعطاه إياه فنبذه في البحر . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . والثالث : أنه وضعه عند أوثق نسائه في نفسه ، فتمثل لها الشيطان في صورته فأخذه منها . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير . والرابع : أنه سلمه إلى الشيطان فألقاه في البحر . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
وأما الشيطان فإنه ألقي عليه شبه
سليمان فجلس على كرسيه وحكم في سلطانه ، إلا أنه كان لا يقدر على نسائه ، وكان يحكم بما لا يجوز ، فأنكره بنو إسرائيل ، فأحدقوا به ونشروا له التوراة فقرؤوا فطار من بين أيديهم حتى ذهب إلى البحر .
وأما
سليمان لما ذهب ملكه انطلق هاربا في الأرض ، فكان يستطعم فلا يطعم فيقول : لو عرفتموني أطعمتموني . فيطردونه ، حتى إذا أعطته امرأة حوتا شقه فوجد الخاتم في بطن الحوت بعد أربعين ليلة ، في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : بعد خمسين ليلة . فلما لبسه رد الله عليه ملكه وبهاءه وأظله الطير ، فأقبل لا يستقبله إنسي ولا جني ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا سجد له ، حتى انتهى إلى منزله . ثم أرسل إلى الشيطان فجيء به فجعله في صندوق من حديد وأقفل عليه وختم عليه بخاتمه ؛ ثم أمربه فألقي في البحر فهو فيه إلى أن تقوم الساعة .
قوله تعالى :
لا ينبغي لأحد من بعدي إنما طلب هذا الملك ليعلم أنه قد غفر له ويعرف منزلته بإجابة دعائه ، ولم يكن حينئذ في ملكه الريح ولا الشياطين . (والرخاء) اللينة ، مأخوذة من الرخاوة و
أصاب . بمعنى قصد .
[ ص: 244 ] فإن قيل قد وصفت في سورة الأنبياء بأنها عاصفة ، فالجواب : أنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد ، وكانت الشياطين تغوص في البحر فتستخرج له الدر ؟ وتعمل له الصور ، والجفان : القصع الكبار ، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها ، ويأكل من كل قدر ألف رجل ، وكانت لا تنزل من مكانها .
فتأملوا إخواني هذا السلطان العظيم كيف تزلزل بالزلل ، واختلت أموره إذ دخل عليه الخلل ، فخطؤه أوجب خروجه من المملكة ، ولقمة
آدم كادت توقعه في المهلكة ،
فعليكم بالتقوى فإنها سبيل السلامة ، فمن أخطأها أخطأته الكرامة .