الكلام على البسملة
سلطانه في خلقه قاهر وأمره في ملكه باهر سطوته باطشة بالورى
في ذرة معجزها ظاهر إذا تجلى في جلال العلا
ذل له الأول والآخر كن حاذرا من بطشه إنه
في أمره وقهره قادر ولطفه في عطفه راحم
وسيفه في خلقه باتر
أيها النائم وهو منتبه ، المتحير في أمر لا يشتبه ، يا من قد صاح به الموت في سلب صاحبه ،
يا إخوان الغفلة تيقظوا ، يا أقران البطالة تحفظوا ، يا أهل المخالفة أقبلوا ، يا معرضين عنا أقبلوا ، يا مبارزين بالذنوب لا تفعلوا . أين من كان قبلنا أين أينا من أناس كانوا حجالا وزينا
إن دهرا أتى عليهم فأفنى عددا منهم سيأتي علينا
خدعتنا الآمال حتى جمعنا وطلبنا لغيرنا وسعينا
وابتغينا من المعاش فضولا لو قنعنا بدونها لاكتفينا
ولعمري لنمضين ولا نمـ ـضي بشيء منها إذا ما مضينا
كم رأينا من ميت كان حيا ووشيكا يرى بنا ما رأينا
ما لنا نأمن المنايا كأنا لا نراهن يهتدين إلينا
عجبا لامرئ تيقن أن الـ ـموت حق فقر بالعيش عينا
أسفا لمن ضيع الأوقات وقد عرفها ، وسلك بنفسه طريق الهوى فأتلفها ، أنس بالدنيا
[ ص: 73 ] فكأنه خلق لها ، وأمله لا ينتهي وأجله قد انتهى ، سلمت إليه بضائع العمر فلعب بها ، لقد ركن إلى ركن ما لبث أن وهى ، عجبا لعين أمست بالليل هاجعة ، ونسيت أهوال يوم الواقعة ، ولأذن تقر عنها المواعظ فتضحى لها سامعة ، ثم تعود الزواجر عندها ضائعة ، ولنفوس أضحت في كرم الكريم طامعة ، وليست له في حال من الأحوال طائعة ، ولأقدام سعت بالهوى في طرق شاسعة ، بعد أن وضحت لها سبل فسيحة واسعة ، ولهمم أسرعت في شوارع اللهو شارعة ، لم تكن مواعظ العقول لها نافعة ، ولقلوب تضمر التوبة عند الزواجر الرائعة ، ثم يختل العزم بفعل ما لا يحل مرارا متتابعة ، ثالثة بعد ثانية وخامسة بعد رابعة .
كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب ، وكم ظلام أسبل ستره وأنت في عجائب ، وكم أسبغت عليك نعمه وأنت للمعاصي تواثب ، وكم صحيفة قد ملأها بالذنوب الكاتب ، وكم ينذرك سلب رفيقك وأنت لاعب ، يا من يأمن الإقامة قد زمت الركائب ، أفق من سكرتك قبل حسرتك على المعايب ، وتذكر نزول حفرتك وهجران الأقارب ،
وانهض على بساط الرقاد وقل : أنا تائب ، وبادر تحصيل الفضائل قبل فوات المطالب ، فالسائق حثيث والحادي مجد والموت طالب .
لأبكين على نفسي وحق ليه يا عين لا تبخلي عني بعبرتيه
لأبكين فقد بان الشباب وقد جد الرحيل عن الدنيا برحلتيه
يا نأي منتجعي يا هول مطلعي يا ضيق مضطجعي يا بعد شقتيه
المال ما كان قدامي لآخرتي ما لا أقدم من مالي فليس ليه
أسفا لغافل لا يفيق بالتعريض حتى يرى التصريح ، ولا تبين له جلية الحال إلا في الضريح ، كأنه وقد ذكره الموت فأفاق ، فانتبه لنفسه وهو في السباق ، واشتد به الكرب والتفت الساق بالساق ، وتحير في أمره وضاق الخناق ، وصار أكبر شهواته توبة من شقاق ، هيهات مضى بأوزاره الثقيلة ، وخلا بأعماله واستودع مقيله ، وغيب في الثرى وقيل : لا حيلة ، وبات الندم يلزمه وبئس اللاحي له .
فتفكروا إخواني في ذلك الغريب ، وتصوروا أسف النادم وقلق المريب ، فلمثل حاله فليحذر اللبيب ، وهذا أمر تبعده الآمال ، وهو والله قريب .
أبصرته ملقى يجود بنفسه قد كلل الرشح الغزير جبينه
لا يستطيع إجابتي من ضعفه طورا يكف شماله ويمينه
[ ص: 74 ] وطبيبه قد حار فيه وقد رأى أنفاسه تعلوا معا وأنينه
قد عاف مشروباته وطعامه وقلى لذاك صديقه وخدينه
إخواني : سلوا القبور عن سكانها ، واستخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، وتعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، فإن المسافر يود لو أنه راجع ، فليتعظ الغافل وليراجع .
يا واقفا يسأل القبور أفق فأهلها اليوم عنك قد شغلوا
قد هالهم منكر وصاحبه وخوف ما قدموا وما عملوا
رهائن للثرى على مدر يسمع للدود بينهم زجل
سرى البلى في جسومهم فجرت دما وقيحا وسالت المقل
سكرى ولم يشربوا الفقار ومن كؤوس المنون ما نهلوا
ينتظرون النشور إذ يقف الـ ـأملاك والأنبياء والرسل
يوما ترى الصحف فيه طائرة وكل قلب من أجله وجل
قد دنت الشمس من رؤوسهم والنار قد أبرزت لها شعل
وأزلفت جنة النعيم فيا طوبى لقوم بربعها نزلوا
أكوابهم عسجد يطاف بها والخمر والسلسبيل والعسل
والحور تلقاهم وقد هتكت عن وجهها الأستار والكلل