الكلام على البسملة
بادر الأيام فالحـ ـي من الموت قريب
بينما يخطر في أهـ
ـل الحمى لا يستريب
إذ حواه اللحد يوما
مفردا فهو غريب خذ نصيبا قبل أن يعـ
جزك الدهر المصيب واحذر الأخرى لهو
ل يومه يوم عصيب يوم لا يسلم مغرو
ر ولا ينجو مريب أطع الناصح إذ نا
داك فالموت عجيب كم ترى نسمعك النصـ
ـح وكم لا تستجيب
يا من لا يتعظ بسلف آبائه ، يا من لا يعتبر بتلف أو دائه ، يا أسير أغراضه وقتيل أهوائه ، يا من عجزت الأطباء عن إصلاح دائه ، يا مشغولا بذكر بقائه عن ذكر فنائه ، يا مغرورا قد حل الممات بفنائه ، يا معجبا بثوب صحته يمشي في خيلائه ، يا معرضا عن نصيحه مشمتا لأعدائه ، يا من يلهو بأمله ، ويا من أجله من ورائه ، يجمع العيب
[ ص: 374 ] إلى الشيب وهذا من أقبح رائه ،
كم رأيت مستلبا من سرور ونعمائه ، كم شاهدت مأخوذا عن أحبابه وأبنائه ، بينا هو في غروره دب الموت في أعضائه ، بينا جرع اللذة فيه شرق بمائه ، بينا ناظر النظير يعجبه صار عبرة لنظرائه ، ما له ضيع ماله وبقي في بلائه . باتت همومي تسري طوارقها أكف عيني والدمع سابقها
هما طريقان فائز دخل الـ ـجنة حفت به حدائقها
وفرقة في الجحيم مع تبع الشيـ ـطان يشقى بها موافقها
اقترب الوعد والقلوب إلى اللـ ـهو وحب الحياة سائقها
ما رغبة النفس في البقاء وإن عاشت قليلا فالموت لاحقها
أيامها غاية إليه ويحدو ها حثيثا إليه سائقها
وكل ما جمعت وأعجبها من عيشها مرة مفارقها
يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها
من لم يمت عبطة يمت هرما للموت كأس والمرء ذائقها
يا من تجبر على مولاه وتمرد ، واستل سيف البغي وجرد ، كم ينعم عليك فتنسى وتجحد ، كم تشيع من ميت وترى لحد ملحد ، يا قليل الزاد وألوية الرحيل تعقد ، يا من بين يديه النار بالأحجار توقد ، ينزل اللطف في جمع شملك وقبيح فعلك يصعد ، يا قليل الانتفاع بالوعظ إلى كم تتزود .
يا قبيح المتجرد كم علينا تتمرد
كم نراعيك ونوليـ ـك وللإحسان تجحد
كم أناديك بوعظي أترى قلبك جلمد
كم ترى أنت على الشـ ـر إليه تتزود
أوما تجزع من نا ر على العاصين توقد
فمتى تحذر في الإسـ ـراف ما مثلك يوعد
لقد نطقت الغير بالعبر ، ولقد خبر الأمر من عنده خبر ، وإنما ينفع البصر ذا بصر ، فاعجبوا لمقصر عمره في قصر ؛ يا من لا يرى من توبته إلا الوعود ، فإذا تاب فهو عن قريب يعود ، أرضيت بفوت الخير والسعود ، أأعددت عدة لنزول الأخدود ، أما علمت أن الجوارح من جملة الشهود ، تالله إن حوض الموت عن قريب مورود ، والله ما الزاد في الطريق بموجود ، والله إن القيامة تشيب المولود ، والله إن العمر محبوس معدود ، والوجوه غدا بين بيض وسود ، إلى كم هذا الصباح والمراح ، أأبقى الشيب موضعا للمزاح ، لقد أغنى
[ ص: 375 ] الصباح عن المصباح ، وقام حرب المنون من غير سلاح ، اعوجت القناة بلا قنا ولا صفاح ، فعاد ذو الشيبة بالضعف ثخين الجرح ، ونطقت ألسن الفناء بالوعظ الصراح ، وا أسفا صمت المسامع والمواعظ فصاح ، لقد صاح لسان التحذير : يا صاح يا صاح ، وأنى بالفهم لسكران غير صاح ، أسكرك الهوى سكرا لا يزاح ، أو ما تفيق حتى يقول الموت لا براح ، متى يظهر عليك سيما المتقين ، متى تترقى إلى مقام السابقين ، كأنك بك تذكر قولي وقد عرق الجبين ، وخابت الآمال وعبثت الشمال باليمين ، وبرق البصر وجاء الحق اليقين ، ولا ينفع الانتباه حينئذ يا مسكين ، يا من يوعظ وكأنه ما يسمع ، يا مشغولا بما يفنى يحوي ويجمع ، يا من شاب وما تاب في أي شيء تطمع ، يا غافلا والموت على أخذه قد أزمع ، ستعرف يوم عرض الكتاب وسوء الحساب عين من تدمع ، أتراك يوم الرحيل إذا ضاق رحب السبيل ما تصنع ، أتراك بماذا تتقي هول ذاك المصرع ، عجبا لك تؤثر ما يفنى وتعلم ما يبقى أنفع ، يا من أمارات طرده من وجه صده تلمع ، لقد نادانا لسان حالك بدوام القبيح من أفعالك غير أنا فيك نطمع .
كم تعذلون وعذلكم لا ينفع ضاع الحديث فعلموا من يسمع