صفحة جزء
الكلام على البسملة


للنقص من أعمارنا ما يكمل والدهر يؤنسنا ونحن نؤمل     تمشي المنون رويدها لتغرنا
أبدا فتدركنا ونحن نهرول     يا معجبا بالعيش طال بقاؤه
بطرا بقاؤك في المنية أطول     عن جانبي دنياك فارغب إنه
أودى الحريص وما نجا المتوكل     وإذا الجفون تخلصت من مجمل الشـ
بهات خلص نفسه من يعقل     دنيا تسر بما يضر بمثله
واسم لها شهد ومعنى حنظل



يا هذا : الدنيا دار المحن ودائرة الفتن ، ساكنها بلا وطن واللبيب قد فطن ، أين من مال إلى حب المال بالآمال وصبا ، وأصبح بين غبوقه وصبوحه لا يعرف وصبا ، وتقلب بجهله في روضتي هوى وصبا ، وأضحى علم شهواته على قباب عزه منتصبا ، وظل ربيع ربعه بوفور جمعه خصبا ، وكلما دعي إلى نفعه في عاقبته أبى ، أما شارك بمصرعه الفاجع له أما وأبا ، أما صار إذ رحل نبا ، أتراه تزود لمذهبه إذ أذهب ذهبا ، لقد لقي والله إذ نصب الموت شركه نصبا ، أين من رضي ظلال البطالة بضلاله ربعا وفنا ، أما أدركه التلف في أسوأ حاله [ ص: 399 ] ثيابا وفنا ، لقد غادره جفاؤه لما ينفعه جفا ، لا يجد لمرضه إذ تمكن من جملته شفا ، أين من كان مجلسه بين الناس في الصدور ، أين من كانت همته نضار القصور ، أما استلبه الموت من المنازل والقصور ، أين من كانت تقوى بسقائه الظهور ، أما عدم الظهير عند الموت حين الظهور ، حام الحمام حول حماه فلم ينفعه الحمى ، ورام راميه مراميه فرماه إذ رمى ، وصاحت به هاتفات الفراق بملء فيها ، ولفظته المنازل كأن لم يكن فيها ، كأن لم تعلق راحته براحة الهوى إذ زل قدمه في التلف وهوى ، وكأنه ما عزم على غرض ولا نوى إذ جذبته بأيديها النوى ، وكأنه ما تحرك من مراد ولا التوى حين أدركه سكون التلف والتوى ، انبت والله حبل بقائه بأقطع المدى ، وانتثر منظوم حياته وانقطع المدى ، فأخرج عن الإنس كأنه ليس من الجنس ، وكف كفه في الرمس بعد تصرف الخمس ، وأصبحت منازله إذ لم يصبح بها ولم يمس كأن لم تغن بالأمس .


أخي إنما الدنيا محلة تغصة     ودار غرور آذنت بفراق
تزود أخي من قبل أن تسكن الثرى     ويلتف ساق للممات بساق



ما أقرب ما هو آت ، ما أبعد ما قد فات ، ما أغفل الأحياء عما حل بالأموات .


يا غافلين عن الفنا     ليس الفنا عنكم بغافل



أخبرنا يحيى بن علي المدير ، أخبرنا عبد الصمد بن المأمون ، أخبرنا الدارقطني ، حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان ، فالنجاء . فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم . فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق " . أخرجاه في الصحيحين .

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أحد يموت إلا ندم قالوا : فما ندمه يا رسول الله ؟ قال : " إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع " .

يا من لا يسمع قول ناصح ، أما هذا الشيب دليل واضح ، لمن نحدث والقلب غائب ، ليتنا نعلم مستقره فنكاتب ، قلنا له : بياض الشيب قد فضحك فضحك ، يجمع التقصير إلى [ ص: 400 ] التفريط ويضم ، وينوي فعل الذنوب فيعزم ويهم ، ويحك تأمل هلال الهدى فما خفي ولا غم ، واسمع واعظ العبر فقد زعزع الجبال الشم ، وأيقظ قلبك الغافل وهيهات لا تسمع الصم ، وعم في بحر حزنك على ذنوب تعم ، فلقد بالغنا في زجرك يا من بالزجر قد أم ، فإذا رضيت أن تكون لنفسك مبيرا فلحى الله ظئرا أشفق من الأم .

التالي السابق


الخدمات العلمية