الكلام على قوله تعالى :
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
إخواني : استدركوا باقي الشهر فإنه أشرف أوقات الدهر ، واحصروا النفوس عن هواها بالقهر ، وقد سمعتم بالحور العين فاهتموا بالمهر .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986أبو منصور القزاز بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662969 " أفضل الصدقة صدقة رمضان " .
عباد الله : اعلموا أن
النصف الأخير أفضل من الأول ، لأن فيه العشر وليلة القدر ، والأعمال تضاعف بشرف وقتها ومكانها .
قد بلغ الشهر إلى نصفه وليس عني الشهر بالراضي ظلمت صوم الشهر في حقه
يا ويلتا إن عدل القاضي
[ ص: 478 ] أترى صح لك صوم يوم ، أترى تسلم في شهرك من لوم ، أترى لفيك خلوق أم فيك خلاق ، من فطر صائما فله أجر صائم ، فاجتهد أن تصوم رمضان ستين يوما .
أيها الراقد عن نهزته ما يروع السيف حتى يشهرا
وأبي المجد لقد فاز به سالك فيه الطريق الأوعرا
إنما أنت ضيف أصبحت في مترك ، وما في يديك وديعة عندك ، ويوشك الضيف أن يرتحل والوديعة أن ترد ، ابك على نفسك أيام الحياة بكاء من ودع الدنيا :
قد كشف الدهر عن يقيني قناع شكي في كل شي
لا بد من أن يحل موت عقدة نفس من كل حي
متى تتبع أوصاف الإنصاف ، إلى متى ترضع أخلاف الخلاف ، أيقظك الدهر وأرشدك الوعظ فهمت ، وحدثك الموت فما فهمت ، ألب حب الدنيا بلبك ، وأقلب هواها مستقيم قلبك ، كم نوقظ عقلك سنة بعد سنة ، وهو لا يزداد إلا رقادا وسنة ، كم نرمي هدف سمعك برشق كلام لم يلذع أصل قلبك بحبه ملام :
عين المنية يقظى غير مطرقة وطرف مطلوبها مذ كان وسنان
جهلا تمكن منه حين مولده والنطق صاح ولب المرء سكران
لقي راهب راهبا فقال : أترضى حالتك التي أنت عليها للموت ؟ قال : لا ، قال : فهل عزمت على توبة من غير تسويف ؟ قال : لا ، قال : فهل تعلم دارا تعمل فيها سوى هذه ؟ قال : لا ، قال : فهل للإنسان نفسان إذا ماتت واحدة عمل بالأخرى ؟ قال : لا ، قال : فهل تأمن هجوم الموت على حالتك هذه ؟ قال : لا ، قال : فما أقام على ما أنت عليه عاقل ! .
صعد
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز المنبر فقال : إن كنتم على يقين فأنتم حمقى ، وإن كنتم في شك فأنتم هلكى . ثم نزل .
ودخل عليه رجل متغير اللون فقال : ما بك ؟ قال : أمراض وأعلال ، قال : لتصدقني قال : ذقت حلاوة الدنيا مرا .
وهبني كتمت الحق إذ قلت غيره أتخفى على أهل العقول السرائر
أيا ذاك إن السر في الوجه ناطق وإن ضمير القلب في العين ظاهر
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16205صالح المري : كان
عطاء السلمي قد اجتهد حتى انقطع فقلت له يوما : إني مكرمك بكرامة فلا ترد كرامتي ، فبعثت إليه شربة من سويق مع ولدي وقلت له لا تبرح حتى يشربها ، فجاء فقال قد شربها ، فبعثت له في اليوم الثاني مثلها فجاء فقال ما شربها ، فأتيت إليه فلمته وقلت : رددت علي كرامتي وهذا يقويك على العبادة ، فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=11937أبا بشر [ ص: 479 ] لقد شربتها في أول يوم واجتهدت في اليوم الثاني فلم أقدر ، كلما هممت بشربها ذكرت قوله تعالى :
وطعاما ذا غصة قال : فقلت أنا في واد وأنت في واد ! .
أطلت وعنفتني يا عذول يليت فدعني حديثي طويل
هواي هوى باطن ظاهر قديم حديث لطيف جليل
ألا ما لذا الليل لا ينقضي كذا ليل كل محب طويل
أبيت أساهر نجم الدجى إلى الصبح وحدي ودمعي يسيل
لله در تلك القلوب الطاهرة ، أنوارها في ظلام الدجى ظاهرة ، رفضت حلية الدنيا وإن كانت فاخرة ، كم تركت شهوة وهي عليها قادرة ، باتت عيونها والناس نيام ساهرة ، زفرات الخوف تثير سحائب الأجفان الماطرة ، يندبون على الذنوب وإن كانت نادرة ، كم بينك وبينهم يا بائع الآخرة ، شيب وعيب أمثال سائرة ، أمل مع هرم هذه نادرة ، كم أقوام أملوا هذا الشهر فخاب الأمل ، أين هم خلوا في الألحاد بالعمل ، تالله إن نسيان النقل في العقل خلل ، أما يكفي رجر المقيم بمن رحل :
كل حي فقصاراه الأجل ليس للخلق بذا الموت قبل
نوب قلن لعاد قبلنا آن من ذات العماد المرتحل
واستوى من ذلك الشرب الذي صار علا لسواهم ونهل
ألبست ناسا سواهم حليهم ثم بزته فراحوا بالعطل
فكأن الدهر لم يجمع لهم رغد العيش وإعزاز الدول
فاسأل الإيوان عن أربابه كيف حلت بهم تلك الرحل
نقلتهم عن فضاء واسع يسرح الطرف به حتى يمل
نحن أعراض خطوب إن رمت عادت الأدراع لينا كالحلل
وإذا ما اختلفت أسهمها فأصابت بطل القوم بطل
يا من عمره قد وهى في سلك الهوى فهو متهافت ، متى تستدرك في هذه البقية بالتقية الفائت ، متى يشبع النوم فتجتمع الهموم الشتائت ، أيها المريض البالي وما يبالي بوصف ناعت ، إلى متى أنت بالعيوب إلى علام الغيوب متماقت ، متعرض صباحا للساخط ومساء للماقت ، وتعمل بالأغراض في الإعراض عمل العفارات ، يا متكلما في ضره فأما في نفعه فساكت ، كلما نقص أجله زاد أمله وهذا متفاوت ، أما رأيت المنايا تحصد المنى في المنابت ، كم مقهقه رجع القهقرى إلى حزن باكت ، كأنك بالموت إذ
[ ص: 480 ] ثوى قد فزع الثوابت ، ونزل بك إذ نزل بك إلى حيرة باهت ، يا جاهلا قد غر لقد سر بفعلك الشامت :
كأنك بالمضي إلى سبيلك وقد جد المجهز في رحيلك
وجيء بغاسل فاستعجلوه بقولهم له افرغ من غسيلك
ولم تحمل سوى خرق وقطن إليهم من كثيرك أو قليلك
وقد مد الرجال إليك نعشا فأنت عليه ممتدا بطولك
وصلوا ثم إنهم تداعوا بحملك في بكورك أو أصيلك
فلما أسلكوك نزلت قبرا ومن لك بالسلامة في نزولك
أعانك يوم تدخله رحيم رؤوف بالعباد على دخولك
فسوف تجاور الموتى طويلا فدعني من قصيرك أو طويلك
أخي إني نصحتك فاستمع لي وبالله استعنت على قبولك
ألست ترى المنايا كل يوم تصيبك في أخيك وفي خليلك
إخواني : هذه أيام تصان ، هي كالتاج على رأس الزمان ، وصل توقيع القدم من الرحيم الرحمن
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
يا له من وقت عظيم الشان تجب حراسته مما إذا حل شان ، كأنكم به قد رحل وبان ووجه الصلح ما بان
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
من اللازم فيه أن تحرس العينان ، ومن الواجب أن يحفظ اللسان ، ومن المتعين أن تمنع من الخطى في الخطا القدمان
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
زنوا أفعالكم في هذا الشهر بميزان ، واشتروا خلاصكم بما عز وهان ، فإن عجزتم فسلوا المعين وقد أعان
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
قد ذهب نصف البضاعة في التفريط والإضاعة ، والتسويف يمحق ساعة بعد ساعة ، والشمس والقمر بحسبان
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .
يا واقفا في مقام التحير هل أنت على عزم التغير ؟ إلى متى ترضى بالنزول في منزل الهوان ، هل مضى من يومك يوم صالح سلمت فيه من جرائم القبائح ، تالله لقد سبق المتقي الرابح وأنت راض بالخسران ، عينك مطلقة في الحرام ، ولسانك منبسط في الآثام ، ولأقدامك على الذنوب إقدام ، والكل مثبت في الديوان ، قلبك غائب في صلواتك وفكرك
[ ص: 481 ] ينقضي في شهواتك ، فإن ركن إليك معامل في معاملاتك دخلت به خان من خان أكثر كلامك لغو وهذر ، والوقت بالتفريط شذر مذر ، وإن اغتبت مسلما لم تبق ولم تذر ، الأمان منك الأمان ، تالله لو عقلت حالك أو ذكرت ارتحالك أو تصورت أعمالك لبنيت بيت الأحزان ، سيشهد رمضان عليك بنطق لسانك ونظر عينيك ، وسيشار يوم الجمع إليك شقي فلان وسعد فلان ، في كل لحظة تقرب من قبرك ، فانظر لنفسك في تدبير أمرك ، وما أراك إلا كأول شهرك ، الأول والآخر سيان ، قد ذهب من الشهر النصف وما أرى من عملك النصف ، فإن كان في الماضي قد فبح الوصف فقم الآن .
والحمد لله وحده .