صفحة جزء
وقد مكروا مكرهم في المشار إليه أربعة أقوال :

أحدها : أنه نمرود ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قال نمرود : لا أنتهي حتى أنظر إلى السماء ، فأمر بأربعة من النسور فربيت واستعجلت ، ثم أمر بتابوت فنحت ، ثم جعل في وسطه خشبة ، وجعل على رأس الخشبة لحما شديد الحمرة ، ثم جوعها وربط أرجلها بأوتار إلى قوائم التابوت ، ودخل هو وصاحب له في التابوت ، وأغلق بابه ثم أرسلها ، فجعلت تريد اللحم ، فصعدت في السماء ما شاء الله تعالى ، ثم قال لصاحبه : افتح فانظر ماذا ترى ففتح فقال : أرى الأرض كأنها الدخان ، فقال : أغلق ، فصعد ما شاء الله تعالى ، ثم قال : افتح فقال : ما أرى إلا السماء وما نزداد منها إلا بعدا ، فقال : صوب خشبتك ، فصوبها فانقضت النسور تريد اللحم فسمعت الجبال هدتها فكادت تزول عن موضعها .

والثاني : أنه بختنصر ، وأن هذه القصة له جرت ، وأن النسور لما ارتفعت نودي يا أيها الطاغي أين تريد ؟ ففرق فنزل ، فلما رأت الجبال ذلك ظنت أنه قيام الساعة ، فكادت تزول ، وهذا قول مجاهد .

والثالث : أن الإشارة إلى الأمم المتقدمة ، ومكرهم شركهم ، قاله ابن عباس .

والرابع : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله وأخرجوه ، ذكره بعض المفسرين .

قوله تعالى : وعند الله مكرهم أي جزاؤه وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال من كسر اللام الأولى فإن المعنى : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي هو أضعف وأهون ومن فتح تلك اللام أراد : قد كادت الجبال تزول من مكرهم .

وفي المراد بالجبال قولان :

أحدهما : الجبال المعروفة ، قاله الجمهور .

والثاني : أنها ضربت مثلا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبوت دينه كثبوت الجبال الراسية . [ ص: 78 ] والمعنى لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال لما زال أمر الإسلام ، قاله الزجاج .

ويدل على هذا قول الله عز وجل : فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله والمعنى أنه قد وعدك بالنصر عليهم إن الله عزيز ذو انتقام من الكافرين .

يوم تبدل الأرض غير الأرض وفي معنى تبديلها قولان :

أحدهما : تبدل بأرض بيضاء كأنها فضة .

أخبرنا أبو القاسم الحريري ، أنبأنا أبو طالب العشاري ، أخبرنا أبو بكر محمد بن شاذان ، أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو العتاب الدلال ، حدثنا جرير ابن أيوب البجلي ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : يوم تبدل الأرض قال : (أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ) وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنها تبدل بأرض من فضة ، قال أنس بن مالك .

والثالث : أنها تبدل بخبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه - قاله أبو هريرة وابن جبير والقرطبي .

والرابع : أنها تبدل نارا ، قاله أبي بن كعب .

والقول الثاني أن تبديلها : تغيير أحوالها ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يبسطها ويمدها مد الأديم وقال ابن عباس : يزاد فيها وينقص منها ، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد .

وفي تبديل السماوات سبعة أقوال :

أحدها أنها تجعل من ذهب ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

والثاني : تصير جنانا ، قاله أبي بن كعب .

والثالث : أن تبديلها تكوير شمسها وتناثر نجومها ، قاله ابن عباس . والرابع : أن تبديلها بسماوات كأنها الفضة ، قاله مجاهد .

[ ص: 79 ] والخامس : أن تبديلها تغيير أحوالها ، فمرة تكون كالمهل ، ومرة كالدهان ، قاله ابن الأنباري .

والسادس : أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتاب .

والسابع : أن تنشق فلا تظل ، ذكرهما الماوردي .

قالت عائشة : قلت : يا رسول الله ، يوم تبدل الأرض غير الأرض ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : على الجسر ، فمنهم من يمشي مكبا على وجهه ومنهم من يمشي سويا .

التالي السابق


الخدمات العلمية