صفحة جزء
الكلام على البسملة


لك في المشيب أكبر الوعظ لو فكرت يا معرضا عن الوعظ صفحا     أهدت الأربعون منه إلى ليـ
ـل عذاريك والمفارق صبحا     عاد فوداك والذوائب والعا
رض فجرا من بعد ما كن جنحا     وهب الشيب قوسه لك واعتا
ض على الكرة من شطاطك رمحا [ ص: 520 ]     عمل المرء كالتجارة عند المو
ت يرى خسرانها والربحا     فلحى الله معشرا لا يرون الذ
م ذما لهم ولا المدائح مدحا     كل ذي غفلة تراه بخيلا
بحطام الدنيا وبالدين سمحا     بات من جهله وأضحى يظن الـ
ـعيد فطرا يأتي عليه وأضحى     كذبته الظنون ما العيد إلا
لامرئ آمن من النار لفحا

لله در أقوام أعيادهم قبول الأعمال ، ومرادهم أشرف الآمال ، وأحوالهم تجري على كمال ، حلاهم التقى وياله من جمال .

أنبأنا زاهر بن طاهر بسنده عن محمد بن يوسف بن عبد الله قال : سمعت أبا ثابت الخطاب يقول : رأيت فتحا الموصلي في يوم عيد أضحى وقد شم ريح العناز فدخل إلى زفاق فسمعته يقول : تقرب المتقربون بقربانهم وأنا أتقرب بطول حزني ، يا محبوبا كم تتركني في أزقة الدنيا محزونا ، ثم غشي عليه وحمل فدفناه بعد ثلاث .

أين من ضحى بشهوات نفسه فأمات حظها ، أين من حثها على لحاق السلف الصالح وحضها ، أين من خوفها حسابها وحذرها عرضها ، أين من قطع من طول المجاهدة طولها وعرضها ، وأين من أدرك من مقامات المقبولين ولو بعضها ، أين من أعمل عزائم الوفاء وأهمل همم الجفاء وقصد نقضها ، يا من يسر بعيد وقد تعدى الحدود ، أترضى أن تحشر فتتحسر لفوات المقصود ، لقد أسمعتك المواعظ من إرشادها نصحا ، وأخبرك الشيب أنك بالموت تقصد وتنحى ، وشرح الزمان حال من شرح قبلك شرحا ، أين من فرح بعيد الفطر وعيد الأضحى ؟ أما تزود الحنوط من العطر وفي القبر أضحى يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا .


جمعوا لينتفعوا فلما أن دعوا     أموالهم حين الردى لم تنفع
واستدفعوا بالمال كل مضرة     حتى أتى الأمر العزيز المدفع
وكأنهم لم يعلموا أن الذي     جمعوا بمرأى للخطوب ومسمع
هتف الحمام بكل حي منهم     فأجابه مستكرها كالطيع
وأراهم في مضجع وأتاهم     من مطلع وسقاهم من مكرع

يا من كلما جذب عن لهوه رسب ، هذا يريد الموت لك في الطلب ، بادر قبل الفوات فالزمان ينتهب ، وانتظر سلب الدهر ما وهب ، أين الجامع المانع للمذهب ؟ ذهب ، أين مخاصم الأقدار قل لي من غلب ؟ أتاه الفاجع فاقترب وما ارتقب ، وأبرزه من قصره [ ص: 521 ] ولطالما احتجب ، يا معرضا عنا عناك التعب ، يا هاجرا لنا إلى كم ذا الغضب ، يا مضغة يا علقة خدمتنا نسب ، يا مؤثرا غيرنا بعت الدر بالخشب ، أما يسوقك إلى الخير ما يشوق ؟ أما يعوقك عن الضير ما يعوق ؟ متى ترجع حرا يا مرقوق ، متى تصير سابقا يا مسبوق ، إياك والهوى فكم قتل عاشقا معشوق ، أول الهوى سهل ثم تتخرق الخروق ، كلما حصد نباته بمنجل الصبر أخرجت العروق ، إن لذ شربه في الفم فشربه شجا في الحلوق ، وإنما لذات الدنيا مثل خطف البروق ، ميز بين ما يفنى وما يبقى تر الفروق ، خل خل التواني إن أردت أن تفوق ، تالله ما نصحك إلا محب أو صدوق .

ستعلم أيها العاصي ما أتيت ، وستدري يوم الحساب من عصيت ، وستبكي دما لقبح ما جنيت ، كأنك بالموت قد جاء فانتهيت وارعويت ، وتذكرت تلك الخطايا فتعست وبكيت ، وأخلي منك البيت شئت أو أبيت ، وصحت بلسان الأسف : رب ارجعون وليت ، انهض يا حيا قادرا قبل أن تسمى باسم ميت ، ويحك تأمل أمرك وافتح عينيك ، ويحك كم تعبي من الذنوب عليك ، إن سهام الموت قد فوقت إليك ، اقبل نصحي وقم نادما على قدميك ، وأحسها أرض عرفة وقل لبيك اللهم لبيك .

التالي السابق


الخدمات العلمية