الكلام على قوله تعالى :
فاليوم لا تظلم نفس شيئا
ميزان العدل يوم القيامة مستقيم اللسان ، تبين فيه الذرة فيجزى العبد على الكلمة قالها في الخير والنظرة نظرها في الشر ، فيا من زاده من الخير طفيف ، احذر ميزان عدل لا يحيف .
[ ص: 569 ] أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12886ابن المذهب بسنده عن
أبي عبد الرحمن الحبلي قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687544 " إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ؛ ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب ، فيقول : ألك عذر أو حسنة ؟ فيبهت الرجل ، فيقول : لا يا رب فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم عليك ؛ فيخرج لها بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : أحضروه . فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة . قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " . البطاقة : القطعة .
أخبرنا
محمد بن أبي طاهر بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676051بينا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك ؟ قالت : يا رسول الله هل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا : عند الميزان حين يوضع حتى يعلم أتثقل موازينه أم تخف ، وعند الكتاب حين يقال : هاؤم اقرؤوا كتابيه حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أو في شماله أو وراء ظهره ، وعند الصراط حين يوضع بين ظهري جهنم حتى يعلم أينجو أم لا ينجو .
أخبرنا
الكروخي بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12044أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102أبي سعيد رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664722 " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول له : ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وترتع أكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا ؟ فيقول : لا ، فيقول : اليوم أنساك كما نسيتني " .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685ابن الحصين بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=691518 " يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة " .
[ ص: 570 ] قوله تعالى :
ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون
أتراك بأي عمل تجزى ، أتراك تهنى أو تعزى ، قلبك عند الصلاة في غيبة ، ولسانك في الصوم في غيبة ، وما صفت لك في العمر ركعة ، وقد مر أكثر الأجل بسرعة ، فانتبه قبل أن يفوت التدارك ، وفرغ قلبك قبل أن تفرغ دارك .
أنبأنا
أحمد بن الحسين بن عثمان العطار بسنده ، عن
جعفر بن الحسن ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول :
إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة بلجم من در وياقوت لا تروث ولا تبول لها أجنحة خطوها مد بصرها ، فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاؤوا ، فيقول الذين أسفل منهم درجة : يا رب بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها ؟ قال : فيقال لهم : إنهم كانوا يصلون الليل وأنتم تنامون ، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون ، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون ، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون .
قوله تعالى
إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون وقرأ
نافع nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو " في شغل " بإسكان الغين ، وقرأ
ابن يعمر " في شغل " بفتح الشين ، وإسكان الغين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة " في شغل " بفتحهما .
وللمفسرين في المراد بذلك الشغل قولان : أحدهما : أنه افتضاض الأبكار .
أخبرنا
موهوب بن أحمد بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما
إن أصحاب الجنة اليوم في شغل قال : في افتضاض الأبكار .
والثاني : النعمة . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : شغلهم نعيمهم عما فيه أهل النار من العذاب .
وفي قوله تعالى :
فاكهون أربعة أقوال : أحدها : فرحون قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني : معجبون . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والثالث : ناعمون . قاله
مقاتل . والرابع : ذوو فاكهة ، كما يقال لابن تامر . قاله
أبو عبيدة .
[ ص: 571 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11958أبو جعفر : فكهون ، وهل هي بمعنى القراءة الأولى ؟ فيه قولان :
أحدهما : أنهما بمعنى واحد ، كما يقال حاذر وحذر . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء ، والثاني : أن الفكه : الذي يتفكه ، يقال فلان يتفكه بالطعام . قاله
أبو عبيدة .
قوله تعالى :
هم وأزواجهم في ظلال
الأزواج : الحلائل . والظلال جمع ظل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة والكسائي في ظلل ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء وهي جمع ظل ، وقد تكون الظلال جمع ظلة أيضا .
قال المفسرون : المراد بالظلال هنا القصور . والمقصود أن بناء الجنة محكم عال ، فلو كان هناك شمس كان في ظلهم ما يرد .
أخبرنا
عبد الأول ، أخبرنا
الداودي ، أنبأنا
ابن أعين ، حدثنا
الفربري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664830 " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون ولا يتغوطون ، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا " ، وقال
كعب : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بدا معصمها لذهب ضوء الشمس !
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16286عباد بن راشد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني ، قال : كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك فقدم عليه ابن له من غزاة فساءله ، ثم قال : ألا أخبرك عن صاحبنا فلان ؟ قال : بينما نحن في غزاتنا قافلين إذ ثار وهو يقول : واأهلاه واأهلاه . فثرنا إليه فظننا أن عارضا عرض له ، فقلنا له : ما شأنك ؟ فقال : إني كنت أحدث نفسي أن لا أتزوج حتى أستشهد فيزوجني الله تعالى الحور العين ، فلما طالت علي الشهادة حدثت نفسي في سفري هذا إن أنا رجعت تزوجت ، فأتاني آت في منامي ، فقال : أنت القائل : إن أنا رجعت تزوجت ؟ قم فقد زوجك الله العيناء . فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة فيها عشر جوار في يد كل جارية صنعة تصنعها لم أر مثلهن في الحسن والجمال ، قلت لهن : فيكن العيناء ؟ قلن : لا نحن من خدمها وهي أمامك ، فانطلقت فإذا أنا بروضة أعشب من الأولى وأحسن ، فيها عشرون جارية في يد كل جارية صنعة تصنعها ليس العشر إليهن بشيء من الحسن والجمال . قلت : فيكن العيناء ؟ قلن : لا ، ونحن من خدمها وهي أمامك ، فمضيت فإذا أنا
[ ص: 572 ] بروضة أخرى أعشب من الأولى والثانية وأحسن ، فيها أربعون جارية في يد كل جارية صنعة تصنعها ليس العشر والعشرون إليهن بشيء في الحسن والجمال فقلت : فيكن العيناء ؟ قلن : لا نحن من خدمها ، وهي أمامك ، فانطلقت فإذا أنا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليها امرأة قد فضلت السرير قلت : أنت العيناء ؟ قالت : نعم مرحبا ، فذهبت أضع يدي عليها ، فقالت : مه إن فيك شيئا من الروح بعد ، ولكن فطرك عندنا الليلة .
قال : فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى مناد : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة ، قال : فجعلت أنظر إلى الرجل ، وأنظر إلى الشمس ونحن مصافون العدو ، وأذكر حديثه فما أدري أيهما رأيته بدر أول ؟ هو أو الشمس سقطت أول ؟
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : رحمه الله تعالى .
سجع : يا هذا لقد بلغ القوم الآمال ، ونالوا ملكا عظيما لا يزال ، فأين ذاك التعب وتلك الأثقال ، وبقي المدح والترح زال ،
هم وأزواجهم في ظلال .
طالما نصبوا في خدمة ذي الجلال ، فشغلهم عن اللذات أشغال ، وأزعجتهم عن الشهوات أوجال ، وقلقهم الموت إذا خطر بالقلب وجال ، فإذا وردوا تلقوا بالنوال ،
هم وأزواجهم في ظلال .
بالغ القوم في التحقيق ، وأخذوا بالأمر الوثيق ، وأنذرهم الموت فما أبلغهم الرفيق فجدوا حتى خرجوا من المضيق ، فأما البطال فإنه لما تلمح الطريق ، رآه قد طال .
صام القوم عن الشهوات ، وقاموا لله في الخلوات ، وحبسوا الألسن عن فضول الكلمات ، وتركوا في الجملة جملة اللذات ، فانقضى رمضان صومهم ، وجاء شوال ،
هم وأزواجهم في ظلال .
كم بينك وبينهم ، أسخن الشر عينك ، وأقر الخير أعينهم ، نالوا الحظ ونلت الحضيض ، أين أنت وأين هم ، وإنما يكال للعبد كما كال .
سبحان من أصلحهم وسامحهم ، وعاملهم فأربحهم ، وأثنى عليهم ومدحهم ، وأقال مجترحهم وقال :
هم وأزواجهم في ظلال .
قطعوا المهامه ففازوا ، وعبروا قناطر الخوف وجازوا ، ونالوا غاية المنى وحازوا ، فسلم الربح ورأس المال
هم وأزواجهم في ظلال .
[ ص: 573 ] قوله تعالى :
على الأرائك متكئون
قال
ثعلب : لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شواره ومتاعه ، والشوار متاع البيت .
تعبوا فأريحوا ، وزهدوا فأبيحوا ، زال نصبهم وارتفع تعبهم ، وحصل مقصودهم ، ورضي معبودهم .
قوله تعالى :
ولهم ما يدعون أي ما يتمنون ، قال
ابن قتيبة : العرب تقول : ادع ما شئت . أي تمن ما شئت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو مأخوذ من الدعاء ، والمعنى : كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم .
وقوله :
سلام يدل من ما ، والمعنى : لهم ما يتمنون سلام أي هذا منى أهل الجنة ، أن يسلم الله عز وجل عليهم . و
قولا منصوب على معنى : لهم سلام يقوله الله قولا ، وفي حديث
جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=676693الله عز وجل يقول : السلام عليكم يا أهل الجنة . فذلك قوله عز وجل : سلام قولا من رب رحيم فينظر إليهم وينظرون إليه ، ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم .
سجع :
أين المستعدون لهذا الأمر الجسيم ، أين المخاطر في طلب ذا الفضل العظيم ، أين المتأهب لخلع الفوز والتقديم
سلام قولا من رب رحيم .
لو رأيتهم في دار الإقامة ، على غاية الفوز والسلامة ، وعلى القوم حلل الكرامة ، والملك يسمعهم كلامه العزيز القديم ،
سلام قولا من رب رحيم .
حلوا في جوار الجبار ، فحلوا بضائع الأسحار ، فجوزوا أن قيل لهم : جوزوا بلا عشار ، وأشرف من جنات تجري من تحتها الأنهار ، أن أشرف عليهم الكريم بكل تكريم ،
سلام قولا من رب رحيم .
طالما تململوا تململ السليم ، وبكوا في الدجى بكاء اليتيم ، فانقشع الأمر إلى أن سامح الغريم ، فأحلهم برضوانه جنات النعيم ، والعيون تجري من رحيق وتسنيم ، وواسطة ذلك العقد المثمن النظيم ،
سلام قولا من رب رحيم .