[ ص: 574 ] المجلس الثاني :
في
ذكر الطهارة
الحمد لله محكم المخلوق ومتقن الصنعة ، ومالك يوم الحشر والجزاء والرجفة ، المقدر ما شاء ، فمن ذا الذي يستطيع دفعه ، أراد فلم ينتفع العبد إن بذل جهده ووسعه ، وعلم إخلاص النية من مقصود السمعة ، وسمع فلم يمنع اختلاف اللغات سمعه ، وأبصر حتى جوف الجوف وجريان الدمعة ، وشرع فشهدت العقول بصحة الشرعة ، ومنع فمن ذا الذي يعطي ما قدر منعه ، صفاته كذاته وما يشبه الصانع صنعه ، الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .
أحمده حمدا يدوم ما دامت الأيام السبعة ، وأشهد أنه فالق الحب عن الطلعة ، وأصلي على رسوله
محمد المبعوث بأفضل شرعة ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر أول من جمع هذه الربعة ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فتاح الأمصار فكم قلع قلعة ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الصابر على مضيض تلك الصرعة ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي الذي مدائحه أنفق من كل سلعة ، وعلى عمه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس أبي الخلفاء وأكرم بهذا البيت رفعة .
أخبرنا
أبو الحسن الأنصاري بسنده عن
يحيى أن
زيدا حدثه أن
nindex.php?page=showalam&ids=12030أبا سلام حدثه ، عن
أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665809 " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " . انفرد بإخراجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
اعلم أن
الطهارة على أربعة أضرب :
الضرب الأول : تطهير البدن عن نجس أو حدث أو فضلة من البدن . فأما طهارة الأنجاس ففي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=682722عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول " .
[ ص: 575 ] قال
الخطابي : معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان بكبير عليهما فعله أو يشق .
وروى
الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=883728 " استنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه " .
وأما طهارة الأحداث ففي التفريط فيها وعيد شديد . ففي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687651تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا قال فنادى بأعلى صوته ، مرتين أو ثلاثا : " ويل للأعقاب من النار " .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إن الله عز وجل أمر بعبد من عباده أن يضرب في قبره مائة جلدة ، فلم يزل يسأل ويسأل حتى صارت جلدة واحدة ، فامتلأ قبره عليه نارا ، فلما أفاق قال : لم جلدتموني ؟ قالوا : إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره " .
وقد مدح
إسباغ الوضوء ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685هبة الله بن محمد بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15617جامع بن شداد قال : سمعت
عمران بن أبان يحدث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=681288 " من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل فالصلوات المكتوبات كفارة لما بينهن " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662372 " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا ، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " . انفرد بإخراج الحديثين
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وأما
غسل الجنابة فروى
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام أنه قال : من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار قال عليه السلام : فمن ثم عاديت رأسي . وكان يجز رأسه .
وأما الفضلات فنوعان : أوساخ تعتري البراجم والأسنان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد :
أبطأ الملك [ ص: 576 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه فقال nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي أبطأت ؟ قال : قد فعلت ، قال : وما لي لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ، ولا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم !
قال
ابن الأنباري : البراجم : الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع تبدو إذا جمعت وتغمض إذا بسطت ، والرواجب : ما بين البراجم ، بين كل برجمتين راجبة .
أخبرنا
عبد الأول بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650838 " لولا أن أشق على أمتي ، أو على الناس ، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " . أخرجاه في الصحيحين .
وأخرجا من حديث
حذيفة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=667865 " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشوص فاه بالسواك " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : الشوص والموص : الغسل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : الشوص : الدلك والموص : الغسل .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن عبد الله ،
وأحمد بن الحسين ،
وعبد الرحمن بن محمد بسندهم ، عن
معاوية بن يحيى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=956780 " تفضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا ، ويفضل الذكر الخفي على غيره من الذكر بسبعين ضعفا " .
وأما الأجزاء : فقص الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وتقليم الأظافر .
والضرب الثاني :
تطهير الجوارح عن الآثام . قال الله عز وجل :
إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا .
[ ص: 577 ] واعلم أن الجوارح كالسواقي توصل إلى القلب الصافي والكدر ، فمن كفها عن الشر جلت معدة القلب بما فيها من الأخلاط فأذابتها وكفى بذلك حمية ، فإذا جاء الدواء صادف محلا قابلا .
ومن أطلقها في الذنوب أوصلت إلى القلب وسخ الخطايا وظلم المعاصي ، فلو وضع الدواء كان بينه وبين القلب حجاب ، فلا تكاد الجوارح تسلم من الخطايا إلا بالعزلة ، فمن أمكنه فما أحسنه ، ومن لم يمكنه تحفظ في مخالطته للخلق تحفظ المجاهد في الحرب .
والضرب الثالث :
تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة من الحرص ، والحقد ، والحسد ، والكبر وغير ذلك ، ولا يمكن معالجته من أدوائه بدوائه حتى تقع الحمية التي وصفناها في كف الجوارح ، ثم يعالج كل داء بدوائه . وكم من متعبد يبالغ في كثرة الصلاة والصوم ولا يعاني صلاح القلب ، وقد يكون عنده الكبر ، والرياء ، والنفاق ، والجهل بالعلم ولا يحس بذلك ، وقد يكون تطلعه إلى تقبيل يده وإجابة دعائه ، وهذه آفات لا دواء لها إلا الرياضة بالعلم ليقع التهذيب بإصلاح دائه ، وإنما تنفع العبادة وتظهر آثارها وتبين لذاتها مع إصلاح أمراض القلب .
أخبرنا
أبو بكر بن حبيب بسنده عن
عبد الرحيم بن يحيى الديلي ، قال : حدثني
عثمان بن عمارة ، فقال : وردت الحجرة مرة فإذا أنا
بمحمد بن ثوبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12358وإبراهيم بن أدهم ،
وعباد المقرئ وهم يتكلمون بكلام لا أعقله ، فقلت لهم : يرحمكم الله ، إني شاب كما ترون أصوم النهار وأقوم الليل وأحج سنة وأغزو سنة ، ما أرى في نفسي زيادة . فشغل القوم عني حتى ظننت أنهم لم يفهموا كلامي ، ثم حان من واحد منهم التفاتة ، فقال : يا غلام إن هم القوم لم يكن في كثرة الصلاة والصيام إنما كان هم القوم في نفاذ الأبصار حتى أبصروا .
الضرب الرابع : تطهير السر عما سوى الله عز وجل . وهذه المرتبة العليا ، ولم تحصل إلا لمن تجلت له أوصاف الحبيب فدخل في دائرة المحبة .
أخبرنا
عمر بن ظفر بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12208أحمد بن أبي الحواري ، قال : سأل
محمود أبا سليمان وأنا حاضر : ما أقرب ما يتقرب به إلى الله عز وجل ، فبكى
أبو سليمان ثم قال : مثلي يسأل عن هذا ! أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك ، وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو .
قال
ابن جهضم : وحدثنا
عبد الجبار بن بشران ، قال : سمعت
سهلا يقول : من نظر إلى الله عز وجل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله عز وجل ، ومن طلب مرضاته أرضاه الله عز وجل ، ومن أسلم قلبه إليه تولى الله جوارحه .
[ ص: 578 ] قال
ابن جهضم : وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14231أحمد بن علي ، قال : حدثني
عباس بن عبد الله الهاشمي ، قال : سمعت
سهل بن عبد الله يقول : ما من ساعة إلا والله مطلع على قلوب العباد ، فأي قلب رأى فيه غيره سلط عليه إبليس .
قال
ابن جهضم : وحدثني
عمر بن يحيى قال : سئل
الشبلي عن قوله عز وجل
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فقال : أبصار الرؤوس عما حرم الله ، وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل .
أخبرنا
أبو بكر بن حبيب بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12208أحمد بن أبي الحواري ، يقول : بات
أبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتوضأ فلما أدخل يده في الإناء بقي على حاله حتى انفجر الصبح ، وكان وقت الإقامة فخشيت أن تفوت صلاته ، فقلت : الصلاة يرحمك الله فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12208أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني عارض من سري : هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك ، فبماذا تغسل قلبك ؟ فبقيت متفكرا حتى قلت : بالهموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل .
يا هذا إذا توضأت بغير نية قيل للماء : ابذل له البلل لا الطهارة ، فإذا نويت قيل له طهارة الظاهر ، فإذا صفا قلبك فقد حصلت طهارتك حقيقة !