الكلام على البسملة
غوالب راحة الدنيا عناء وما تعطيه من هبة هباء وما دامت على عهد بخلق
ولا وعدت فكان لها وفاء تذيق حلاوة وتذيق مرا
وليس لذا ولا هذا بقاء وتجلو نفسها لك في المعاصي
وفي ذاك الجلاء لها الجلاء إذا نشرت لواء الملك فيها
لوى قلب الغني لها اللواء فدعها راغبا في ظل عيش
وملك ماله أبدا فناء
عجبا لمن عرف الدنيا ثم اغتر ، أما يقيس ما بقي بما مر ، أيؤثر لبيب على الخير الشر ، أيختار الفطن على النفع الضر ، كم نعمة عليك قد سلفتها وما قمت بفريضة كلفتها ، إذا دعيت إلى التوبة سوفتها ، وإن جاءت الصلاة ضيعتها ، وإذا قمت في العبادة خففتها ، وإذا لاح لك وجه الدنيا ترشفتها ، لقد آفتك آفة الدنيا وما أفتها ، إنها لدار قلعة تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها ، كم حيلة في مكاسبها تلطفتها ، ولو شغلتك عنها آيات تأففتها ، كم بادية في أرباحها تعسفتها ، كم قفار في طلبها طفتها ، كم كذبات من أجل الدنيا زخرفتها ، لقد استشعرت محبتها إي والله والتحفتها ، تحضر المسجد وقلبك مع التي ألفتها ، أو ما يكفيك أموالك وقد ألفتها ، تالله لو علمت ما تجني عفتها . أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها ، ألست الذي تذكرتها ثم خفتها ، آه لمراحل أيام قطعتها وخلفتها ، آه لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها ، لو أردت خيرا وبختها وعفتها ، لو قبلتها بالوفاق فهلا خالفتها .
إخواني : قولوا للمفرط الجاني ، قال لك الشيب : أما تراني ، أنا كتاب المنون والضعف عنواني ، وليس في السطور إلا أنك فاني :
أنكرت سلمى مشيبا عراني ورأتني غير ما قد تراني
أشرف الشيب على لمتي وشباب المرء ظل للزمان
إنما أنت لما قد ترى لا يغرنك ضمان للأماني
هل ترى من عائش خالد كم ترى من هالك قد صار فاني
[ ص: 602 ] لو أعنت العين إذا أبصرت واعظاتي بفؤادي لكفاني
أي شيء أتقي والردى بين جنبي بعيني يداني
كل يوم ناقص دولة من بقائي جاذب مني عناني
وألاقيه بلا جنة فإذا شاء أن يدمى لحيني رماني
تابع يتبع ماضي كما يتبع العامل جرا للساني
لذة الدنيا إذا ما حضروا . فإذا غابوا فشغل للأماني
ما اطمأن الدهر حتى نقضوا فكأن لم أرهم في مكان
أين أهل العزائم رحلوا وماتوا ، أين أهل اليقظة ذهبوا وفاتوا ، قف على قبورهم تجد ريح العزم ، تنفس عندها تحب روح الحزم ، أقبلوا بالقلوب على مقلبها ، وأقاموا النفوس لدى مؤدبها ومدوا الباع من باع التسليم إلى صاحبها ، وأحضروا الأخرى فنظروا إلى غايتها وسهروا الليالي كأنهم قد وكلوا برعي كواكبها ، ونادوا نفوسهم صبرا على نار البلاء لمن كواك بها ، ومقتوا الدنيا فما مال الملأ إلى ملاعبها ، واشتاقوا إلى الحبيب فاستطالوا مدة المقام بها .
أنتم على البعد همومي إذا غبتم وأشجاني على القرب
لا أتبع القلب إلى غيركم عيني لكم عين على قلبي
إن لم تكن معهم في السحر فتلمح آثار الحبيب عليهم وقت الضحى ، واقرأ في صحائف الوجوه سطور القبول بمداد الأنوار ، وجوه ينهاها الحسن أن تتقنعا .
أين أنت من القوم ، كم بين اليقظة والنوم ، يا بعيد السلامة قد قربت منك النعامة يا عديم الاستقامة ، ما أرى لنجاتك علامة ، أعمالك لا تصلح للجنة وخصالك الباطنة أوصاف .
إلى متى إلى متى جد في غير الجد والكماش ، إلى كم في الظلام وقد نسخت الأغباش ، تمكن حب الدنيا من القلب فما يخرجه منقاش ، ولاح نور الفلاح وكيف يبصر خفاش ، أما النهار فأسير الهوى في المعاش ، وأما الليل فقتيل المنام في الفراش ، كيف يصحب الصلحاء من همته صحبة الأوباش ، وهل يبارز في صف الحرب خوار ضعيف الجاش ، دخل حب الدنيا فاستبطن بطن المشاش .
مثل الشبيبة كالربيع إذا ما جيد فاخضرت له الأرض
فالشيب كالمحل الجماد له لونان مغبر ومبيض
[ ص: 603 ] سنحت له دهياء من كثب دانت خطاه وما به أيض
ترك الجديد جديده هملا لا الصون يرجعه ولا الرحض
وتعاقب التفتيش يقدح في صم الصفا فيظل يرفض