المجلس الخامس : في ذكر الصيام
الحمد لله خالق الدجى والصباح ، ومسبب الهدى والصلاح ، ومقدر الغموم والأفراح ، الجائد بالفضل الزائد والسماح ، مالك الملك المنجي من الهلك ، ومسير الفلك والفلك مسير الجناح ، عز فارتفع ، وفرق وجمع ، ووصل وقطع ، وحرم وأباح ، ملك وقدر ، وطوى ونشر ، وخلق البشر وفطر الأشباح ، رفع السماء وأنزل الماء وعلم
آدم الأسماء وذرى الرياح ، أعطى ومنح ، وأنعم ومدح وعفا عمن اجترح وداوى الجراح ، علم ما كان ويكون ، وخلق الحركة والسكون ، وإليه الرجوع والركون في الغد والرواح ، يتصرف في الطول والعرض ، وينصب ميزان العدل يوم العرض
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح .
أحمده وأستعينه ، وأتوكل عليه وأسأله التوفيق لعمل يقرب إليه ، وأشهد بوحدانيته عن أدلة صحاح ، وأن
محمدا عبده المقدم ورسوله المعظم ، وحبيبه المكرم ، تفديه الأرواح ، صلى الله عليه وسلم عليه وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رفيقه في الغار ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فتاح الأمصار ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان شهيد الدار ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي الذي يفتك رعبه قبل لبس السلاح ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس عمه صنو أبيه أقرب من في نسبه يليه .
اعلموا أن
الصوم من أشرف العبادات ، وله فضيلة ينفرد بها عن جميع التعبدات ، وهي إضافته إلى الله عز وجل بقوله عز وجل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656938 " الصوم لي وأنا أجزي به " .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685ابن الحصين بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12044أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=690632 " كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، يقول الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، وللصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك ، الصوم جنة " .
[ ص: 610 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : وحدثنا
أحمد بن عبد الملك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658955 " إن للجنة بابا يقال له الريان . يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ هلموا إلى باب الريان ، فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب ، وفي لفظ : فلم يدخل منه أحد غيرهم .
هذان الحديثان في الصحيحين .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685ابن الحصين بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15889رجاء بن حيوة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=702016أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوا فأتيته ، فقلت : يا رسول الله ادع لي بالشهادة . فقال : اللهم سلمهم وغنمهم . قال : فغزونا فسلمنا وغنمنا . قال : ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوا ثانيا فأتيته فقلت : يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة . فقال : اللهم سلمهم وغنمهم . قال : فغزونا فسلمنا وغنمنا . ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوا ثالثا . فقلت : يا رسول الله قد أتيتك مرتين أسألك أن تدعو الله لي بالشهادة فقلت : اللهم سلمهم وغنمهم ، يا رسول الله فادع الله لي بالشهادة . فقال : اللهم سلمهم وغنمهم . قال : فغزونا فسلمنا وغنمنا ، ثم أتيته بعد ذلك فقلت : يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك ينفعني الله به ، قال : " عليك بالصوم لأنه لا مثل له " .
nindex.php?page=hadith&LINKID=702016وكان nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياما ، فإن رأوا عندهم نارا دخانا بالنهار في منزلهم عرفوا أن قد اعتراهم ضيف ، قال : ثم أتيته بعد ذلك فقلت : يا رسول الله إنك قد أمرتني بأمر وأرجو أن يكون الله عز وجل قد نفعني به ، فمرني بأمر آخر ينفعني الله به ، قال : " اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة أو حط أو قال وحط - شك مهدي - عنك بها خطيئة " .
أخبرنا
عبد الوهاب الحافظ بسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11935أبي بردة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، قال : خرجنا غازين في البحر ، فبينما نحن والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع ، فسمعنا مناديا ينادي : يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة أصوات . قال
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى : فقمت على صدر السفينة فقلت : من أنت ومن أين أنت ؟ أو ما ترى ما نحن فيه ، وهل نستطيع وقوفا ؟ فأجابني الصوت : ألا أخبركم بقضاء قضاه الله عز وجل على نفسه ؟ قال : قلت : بلى أخبرنا . قال : فإن الله سبحانه قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة . قال : فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان فيصومه !
[ ص: 611 ] واعلم أن للصوم آدابا منها : كف النظر واللسان عن الفضول ، والإفطار على الحلال وتعجيله ، وأن يفطر على تمر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : إذا صام الإنسان زاغ بصره ، فإذا أفطر على حلاوة عاد بصره .
ويقول إذا أفطر : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، وعليك توكلت . ويستحب السحور وتأخيره .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=688559 " إذا كان أحدكم يوما صائما فلا يجهل ، ولا يرفث ، فإن امرؤ قاتله أو شتمه فليقل : إني صائم " .
وقد لا تخلص النية ، ولا يحصل الأجر : أخبرنا
أبو بكر بن عبد الباقي بسنده عن
أبي سعيد المقبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=689346 " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر " .
فأما
ما يستحب صيامه ، فقد كان جماعة من السلف يصومون المحرم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في أفراده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673997 " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " .
وفي أفراده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة nindex.php?page=hadith&LINKID=702343عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في صوم يوم عاشوراء : " يكفر السنة الماضية " .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=704247ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر من السنة أكثر من صيامه من شعبان كان يصومه كله .
وفي أفراده من حديث
أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663060 " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر " .
[ ص: 612 ] وفي أفراده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673994 " من صام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " .
وفي أفراده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664316 " إن أبواب الجنة تفتح في يوم الاثنين والخميس " .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685ابن الحصين بسنده ، عن
أبي سعيد المقبري ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد قال : قلت
nindex.php?page=hadith&LINKID=668579يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد تفطر ، وتفطر لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ، قال : أي يومين ؟ قلت : يوم ، الاثنين والخميس . قال : ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " .
ويستحب
صيام ثلاثة أيام من كل شهر . ففي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651845 " أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام " .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663062 " إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فصم ثالث عشر ، ورابع عشر ، وخامس عشر " .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=668565 " أحب الصيام إلى الله ، صيام داود عليه السلام : كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وأحب الصلاة إلى الله ، صلاة داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه " ، وقد كان جماعة من السلف يغتنمون العمر فيسردون الصوم ولا يفطرون إلا الأيام المحرمة . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرد الصوم ، وسرده
nindex.php?page=showalam&ids=86أبو طلحة أربعين سنة ،
وأبو أمامة . وسردته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ،
وعروة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب .
أخبرنا المحمدان :
ابن عبد الملك ،
وابن ناصر ، قالا : أنبأنا
أحمد بن الحسن بن خيرون ،
[ ص: 613 ] قال : قرئ على
أبي علي بن شاذان : أخبركم
أبو بكر الأرموي القارئ ، حدثنا
أحمد بن عبيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14381محمد بن يزيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13574عبد العزيز ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع : خرجت مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في بعض نواحي
المدينة ، ومعه أصحاب له ، فوضعوا سفرة لهم ، فمر بهم راع فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة ، فقال : إني صائم . فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله : في مثل هذا اليوم الشديد حره ، وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم ، وبين هذه الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم ؟ ! فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية . فعجب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها نطعمك من لحمها ما تفطر عليه ، ونعطيك ثمنها ؟ قال : إنها ليست لي إنها لمولاي ، قال : فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت : أكلها الذئب ؟ فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول : فأين الله ؟ .
قال : فلم يزل
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول : قال الراعي : فأين الله ! فما عدا أن قدم
المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم ، فأعتق الراعي ووهب له الغنم .
وقد كان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل : ما يبكيك ؟ قال : أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها !
فاغتنموا إخواني زمنكم ، وبادروا بالصحة سقمكم ، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم ، وكأنكم بالحميم وقد دفنكم ، وبالعمل في القبر قد ارتهنكم .