صفحة جزء
قوله تعالى : وبوأكم في الأرض أي أنزلكم تتخذون من سهولها قصورا السهل : ضد الحزن ، والقصر : ما شيد وعلا من المنازل .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : اتخذوا القصور في سهول الأرض للصيف ونقبوا في الجبال للشتاء .

قال وهب بن منبه : كان الرجل منهم يبني البنيان فيمر عليه مائة سنة ، فيخرب ، ثم يجدده فيمر عليه مائة سنة فيخرب ، فأضجرهم ذلك ، فاتخذوا من الجبال بيوتا .

قال علماء السير : لم يلتفتوا إلى قول صالح واحتالوا على قتله ، فذلك قوله تعالى : لنبيتنه وأهله وقعدوا في أصل جبل ينتظرونه ، فوقع الجبل عليهم فهلكوا ، ثم أقبل قوم منهم يريدون قتل الناقة فقال لهم صالح : ناقة الله وسقياها أي احذروا ناقة الله وشربها من الماء ، فكمن لها قاتلها وهو قدار بن سالف في أصل شجرة فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ، ثم نحرها .

وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا من العذاب ، فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام .

قال [المفسرون] : لما عقروها صعد فصيلها إلى الجبل فرغا ثلاث مرات ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم ، إلا إن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا في اليوم الأول إذا وجوههم مصفرة ، فصاحوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة ، فضجوا وبكوا ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة ، كأنما طليت بالقار ، فصاحوا بأجمعهم : ألا قد حضركم الموت ، فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب .

[ ص: 83 ] فلما أصبحوا في اليوم التالي أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم .

وقال مقاتل : حفروا لأنفسهم قبورا ، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم ، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا ، فقام جبريل عليه السلام فوق المدينة فسد ضوء الشمس ، فرجعوا إلى قبورهم ، فصاح بهم صيحة عظيمة : موتوا عليكم اللعنة ، فماتوا وزلزلت بيوتهم فوقعت عليهم فدمدم عليهم ربهم أي أطبق عليهم العذاب .

ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على ديارهم قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين .

اعتبروا إخواني بهؤلاء الهالكين ، وانظروا سوء تدبير الخاسرين ، لا بالناقة اعتبروا ، ولا لتعويضهم اللبن شكروا ، وعتوا عن النعم وبطروا ، وعموا عن الكرم فما نظروا ، وأوعدوا بالعذاب فما حذروا ، كلما رأوا آية من الآيات كفروا .

الطبع الخبيث لا يتغير ، والمقدر ضلاله لا يزال يتحير ، خرجت إليهم ناقة من أحسن النعم ، ودر لبنها لهم فتواترت النعم فكفروا وما شكروا ، فأقبلت النقم .

أعاذنا الله وإياكم من الكفران ، وحفظنا من موجبات الخسران ، إنه إذا لطف صان .

التالي السابق


الخدمات العلمية