المجلس السابع :
في
الأخوة والصداقة
الحمد لله الذي لطف بالبرايا إذ براهم وبر ، وروح أرواح أهل الصلاح براح الفلاح وسر ، واطلع على ضمير من نوى وسر من أسر ، وقدر الأشياء فقضى الخير وقضى الشر ، وأمات وأحيا ، وأفقر وأغنى ، ونفع وضر ، جف القلم بتقديره فمضى الأمر واستقر ، بقدرته تقطع المراكب البحر والمركوب البر ، لطفه عظيم ، وجوده عميم قد استمر " رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبر " سميع يسمع المدنف المضطر ، بصير يرى في دجى الليل الذر ، عليم بانكسار من ندم وإصرار من أصر ، حليم فإن سطا رأيت الأمر الأمر ، ما ألطفه بعبده يدعوه لرفع ما عر فإذا كشفنا عنه ضره مر .
يمد رواق الظلام ، فإذا لاح الصباح فر ، وينير النهار فإذا انقضى عاد الليل وكر ، فالقمر آية الليل والشمس تجري لمستقر .
أحمده على إنعام كلما احتلب در ، وأقر بوحدانيته عن دليل قد استقر ، وأصلي على رسوله
محمد الذي عمت رسالته البحر والبر ، وعلى صاحبه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر المنفق حتى تخلل وزر ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الزاهد فما غره ما غر ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الذي ارتفع بالكرم فبر وأبر ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي الذي ما أقدم قط ففر ، وعلى عمه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس المقدم نسبا والفخر قد استقر .
قال الله تعالى :
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أيدك بمعنى قواك بنصره ، وبالمؤمنين
وألف بين قلوبهم التأليف : الجمع على ما يشاكل . والمراد بالآية :
الأوس والخزرج وهم
الأنصار ، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية فألف الله عز وجل بينهم ، وهذا من أعجب الآيات ، لأنهم كانوا ذوي أنفة شديدة ، فلو أن رجلا لطم رجلا لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره ، فآل لهم الإسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه في طاعة الله عز وجل .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قوله تعالى :
لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم قال : هم المتحابون في الله تعالى .
[ ص: 634 ] اعلم أن المعنى الجامع بين المسلمين الإسلام ، فقد اكتسبوا به أخوة أصلية ، ووجب عليهم بذلك حقوق لبعضهم على بعض .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661693 " مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " .
وفيهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652266 " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه .
وفيهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657073 " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : لجاره أو لأخيه .
وفيهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=691388 " حق المسلم على المسلم خمس : يسلم عليه إذا لقيه ، ويشمته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويشهد جنازته إذا مات ، ويجيبه إذا دعاه " .
وإذا ثبتت هذه الحقوق للاشتراك في الإسلام ، فكلما زادت المخالطة وصفا زادت الحقوق ، مثل القرابة ، والمجاورة ، والضيافة ، والصحبة ، والصداقة ، والأخوة الخاصة في الله عز وجل .
فأما حق القرابة : فمعلوم : وجوب
بر الوالدين ، وتقديم الأم في البر ووجوب
صلة الرحم .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=693941 " من أحب أن يوسع الله عليه في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه " .
وأما
حق الجار ففي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676408 " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .
[ ص: 635 ] وأما
حق الضيف ففي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664794 " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " .
وأما
حق الصحبة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : صحبت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني أكثر .
وأما
حق الصداقة فإنها تطلق على ما دون الأخوة ، فالأخوة هي المرتبة العليا ، وإنما تقع الأخوة الصادقة إذا حصل التشاكل بين الأخوين في أصل الوضع ، وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661781 " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " .
قال
أبو سليمان الخطابي رحمه الله : ومعنى هذا الحديث : الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد ، على ما روي أن
الله عز وجل خلق الأرواح قبل الأجساد بكذا وكذا ، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت على ائتلاف واختلاف ، فتأتلف الأجساد في الدنيا ، وتختلف على حسب ما وقع في مبدأ الخلقة .
وفي هذا الحديث دليل على أن الأرواح ليست بأعراض ، وأنها كانت موجودة قبل الأجساد ، وأنها تبقى بعد الأجساد ، ويؤيد هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663935 " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق في ثمر الجنة " .
وهذه الأخوة الخاصة هي التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وقد علم أن الأخوة العامة في قوله تعالى :
إنما المؤمنون إخوة واقعة قبل عقده ، غير أنه أراد الأمر الخاص .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه آخى بين nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، وقد آخى بين خلق كثير ذكرتهم في كتاب التلقيح .
وهذه
الأخوة هي التي توجب المحبة في الله عز وجل ، وهي أوثق عرى الإيمان ،
[ ص: 636 ] كذلك روى
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930548 " أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله " .
ومن جملة ثواب المتحابين ما روي في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=690133 " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ، فذكر منهم " رجلين تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه " .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12685هبة الله بن محمد بسنده عن
أبي الحباب عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=691334 " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " .
انفرد بإخراجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وبالإسناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم الخولاني قال : أتيت
مسجد أهل دمشق ، فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي : من هذا ؟ قال : هذا
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، فجئت من العشي فلم يحضر ، فغدوت من الغد فلم يجيء ، فخرجت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية فركعت ، ثم تحولت إليه ، قال فسلم فدنوت منه فقلت : إني أحبك في الله تعالى . قال : فمدني إليه وقال : كيف قلت ؟ قلت : إني أحبك في الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701897 " المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله " .
قال : فخرجت حتى لقيت
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت فذكرت حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه عز وجل يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701897 " حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في ، وحقت محبتي للمتزاورين في ، والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله " .
[ ص: 637 ] وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=81عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=699466 " إن الله عز وجل يقول : حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي ، وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي " .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إن لله عز وجل عبادا على منابر من نور في ظل العرش يغبطهم الشهداء . قيل : من هم ؟ قال : المتحابون في جلال الله عز وجل " .
واعلم أن هذا الثواب في هذه المحبة إنما يكون إذا كانت لله تعالى خالصة لا يشوبها شيء من الكدر ، ومتى قويت محبة الله سبحانه وتعالى في القلب قويت محبة أوليائه والصالحين من عباده ، فلينظر الإنسان من يؤاخي ومن يحب ، ولا ينبغي أن يتخير إلا من قد سلم عقله ودينه . وقد قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=688530 " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=676385 " المرء مع من أحب " .
فإذا أحب شخصا فليعلمه : وروى
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664684 " إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه " .
وقال
عمران بن حطان : لقد أحببت في الله عز وجل ألف أخ كلهم أعرف اسمه ، واسم أبيه ، وقبيلته ، ومكان داره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12007أبو زرعة بن عمرو بن جرير : ما تحاب رجلان في الله عز وجل إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه .
وكان يقول : اصحب من ذا صحبته زانك ، وإن خدمته صانك ، وإذا أصابتك
[ ص: 638 ] خصاصة مانك ، وإن رأى منك حسنة سر بها ، وإن رأى منك سقطة سترها ، ومن إذا قلت صدق قولك ، ومن هو فوقك في الدين ودونك في الدنيا ، وكل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرا فانبذ عنك صحبته .
فإذا صفت المحبة وخلصت وقع الشوق والتزاور ، وصار بذل المال أحقر الأشياء ، فأما التزاور فقد ذكرنا فضيلته .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يذكر الأخ من إخوانه في بعض الليل ، فيقول : يا طولها من ليلة ! فإذا صلى المكتوبة غدا إليه فاعتنقه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : إذا مشى أحد المتحابين إلى الآخر فأخذ بيده فضحك إليه تحاتت خطاياه كما يتحات ورق الشجر .
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986عبد الرحمن بن محمد ، قال أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=14231أبو بكر الخطيب ، أخبرني
عبد العزيز الأزجي ، حدثنا
عبد الله بن محمد بن سليم العلاف عن
nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف الكرخي ، قال : امش ميلا صل جماعة ، امش ميلين صل جمعة ، امش ثلاثة أميال عد مريضا ، امش أربعة أميال شيع جنازة ، امش خمسة أميال شيع حاجا أو معتمرا ، امش ستة أميال شيع غازيا في سبيل الله ، امش سبعة أميال بصدقة من رجل إلى رجل ، امش ثمانية أميال أصلح بين الناس ، امش تسعة أميال صل رحما وقرابة ، امش عشرة أميال في حاجة عيالك ، امش أحد عشر ميلا في معاونة أخيك ، امش بريدا والبريد اثنا عشر ميلا - زر أخا في الله عز وجل !
وأما بذل المال فله ثلاث مراتب : أهونها : المساهمة في المال ، وأوسطها المواساة ، وأعلاها تقديم الأخ في المال على النفس .
وقد روينا آنفا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701840 " حقت محبتي للمتباذلين في " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : لقد رأيتنا وما أحدنا بأحق بديناره ، ودرهمه من أخيه المسلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : كنا نعد البخيل الذي يقرض أخاه !
وقال : ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه .
وقال
أبو جعفر الباقر لأصحابه : هل يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ منه ما يريد ؟ قالوا : لا . قال : فلستم بإخوان .
وقد كان بعضهم يتلطف في إيصال البر إلى إخوانه فيأتي بالصرة فيها الأربعمائة والخمسمائة فيودعها أحدهم ثم يلقاه بعد فيقول : انتفعوا بها فهي لكم .
وعلى هذا لا ينبغي للأخ أن يجحف بأخيه فيما يأخذ منه ، وإن علم أنه لا كلفة عليه
[ ص: 639 ] في ذلك ، فإن
nindex.php?page=hadith&LINKID=651994النبي صلى الله عليه وسلم قال له nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر زمن الهجرة : قد علفت ناقتين فخذ إحداهما فقال : بالثمن .
هيهات ! رحل الإخوان وأقام الخوان ، وقل أن ترى في الزمان إلا من إذا دعي مان .