صفحة جزء
الكلام على البسملة


ما عذر من جر عاصيا رسنه ما عذره بعد أربعين سنه     أكلما طالت الحياة به
أطال عن أخذ حذره وسنه     قل لي إذا مت كيف تنقص من
سيئة أو تزيد في حسنه



يا مريضا ما يعرف أوجاعه ، يا مضيع العمر بالساعة والساعة ، يا كثير الغفلة وقد دنت الساعة ، يا ناسيا ذكر النار إنها لنزاعة ، كأنه وملك الموت قد أزعجه وأراعه ، وصاح بالنفس صيحة فقالت : سمعا وطاعة ، ونهضت تعرض كاسد التوبة ، وهيهات غلق الباعة ، يا سيئ النظر لنفسه في وجه شمس فهمك غيم ، بين دائك ودوائك حجاب ، لو أهمتك نفسك سعيت لها في الخلاص ، لو رضيت بالبلغة ما استرهن قلبك كسب الحطام ، لو قنعت كلاب الصيد بالمنبوذ ما كانت السواجير في حلوقها .


طلبتك يا دنيا فأعددت في الطلب     فما نلت إلا الهم والغم والنصب
فلما بدا لي أنني لست واصلا     إلى لذة إلا بأضعافها تعب
وأسرعت في ذنبي ولم أقض شهوتي     هربت بديني منك إن نفع الهرب
تسربلت أخلاقي قنوعا وعفة     فعندي بأخلاقي كنوز من الذهب
ولم أر حظا كالقنوع لأهله     وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب



يا من قد مال بالآمال إلى جمع المال ، كأنك به إلى غيرك قد مال ، واعجبا بالحرص تجمعونه ، وبالأمل تحفظونه ، وبالغفلة تأكلونه ، وفي الهوى تصرفونه ، المال نعمة فمن أنفق بعضه في الخير أقام للباقي حارسا ، إذا سمعت النعمة نغمة الشكر ألبت ولبت بالمزيد ، وإذا لم تشكر وقد وفرت نفرت ، وما كل شارد بمردود ، واعجباه ممن فرح بلذة يعلم سرعة زاولها ، وأعجب من ذلك الحساب عليها .


أشد الغم عندي في سرور     تيقن عنه صاحبه زوالا



أين من لبس الحرير والقز ، وحرك الجواد تحته وهز ، وتعاظم على أبناء جنسه وعز ، وقهر وغلب وسلب وبز ، ذبحه سيف المنون وما قطع ولا حز ، فتسلب الحبيب بعد فراقه [ ص: 651 ] وجز ، وأكله الدود وقد كان يستزري الإوز ، بينا هو قد ركض في أغراضه وكر خر ، فقيل : كيف بات ؟ قيل : مر . فألبسه الغاسل ثوبا لا كفه ولا زر ، فرحل عن داره التي بها اغتر ، واستعمل الحفار لتمهيد لحده المر ، واستلبه جذبا عنيفا وجر ، ورجع أهله لا يقدرون له على نفع ولا ضر ، وندم حين سكن البر إذ ما اتقى ولا بر ، وطولب بما أعلن من عمل وأسر ، ووجد الله وقد أحصى عليه الذر ، وبقي مكانه أسيرا لا يرى إلا الشر .


هذي منازلهم وقد رحلوا     وعلى الكراهة غيرها نزلوا
رحلوا وأبقوها لغيرهم     إن المنازل والغنى دول
شادوا مبانيها وما سكنوا     إلا نزول الضيف وانتقلوا
وتفرقت عنهم أقاربهم     وجنودهم وخلوا بما عملوا
يا آمل الدنيا وقد عصفت     بالناس قبلك خانك الأمل
أتروم جهلا أن تقيم بها     ووراءك الأيام والأجل



يا هذا إذا أسلمك الأتراب ، تسلمك التراب ، كيف يفرح بحياته من يعلم أنها مطية مماته ، يا من هجم الشيطان عليه وهو في بادية المخالفة ، فسباه فباعه فاشتراه الهوى بثمن بخس ، تالله لو كنت في حصن التقى ما قدر عليك ، إلى كم يستخدمك الهوى وأنت حر ، طال تشبهك في التثبط بزحل فانهض بحركة عطارد في الهرب مما يؤذي .

تعرض لجياد المجاهدين لعل بعضهم يستصحبك .

أما بلغك لطف : هل من سائل ؟ أما سمعت عفو : هل من تائب ؟ .


وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

لا تيأس فباب الرجاء مفتوح ، لا تلق بيدك فعلم القبول يلوح :


عسى وعسى من بعد طول التفرق     على كل ما نرجو من العيش نلتقي
ولو ظفرت عيني برؤياك ساعة     لكنت على عيني من العين أتقي



إخواني : ليس كل من قال : أنا تائب كان تائبا ، إنما التائب من صبر على فقد الأغراض صبر السحرة على الصلب ، واعتذر من جناياته اعتذار النابغة إلى النعمان ، وخضع خضوع الجرب للطالي ، وتضرع تضرع الصبي إلى المؤدب .

لا تنأ وإن طردت ، ولا تبرح وإن زجرت :


إذا هجروا عزا وصلنا تذللا     وإن بعدوا يأسا قربنا تعللا
وإن أغلقوا بالهجر أبواب وصلهم     وقالوا ابعدوا عنا طلبنا التوصلا
وإن منعونا أن نجوز بأرضهم     ولم يسمعوا الشكوى وردوا التوسلا
أشرنا بتسليم وإن بعد المدى     إليهم وكلفنا الرياح لتحملا



[ ص: 652 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية