صفحة جزء
الكلام على البسملة


يسر بصفو عيشته الجهول وتعجبه الإقامة والحلول     ودون مقامه حاد حثيث
عنيف السوق والموت السبيل     سبيل ما توجه فيه سفر
فكان لهم إلى الدنيا قفول     طريقي يستوي للخلق فيه
مسالكهم ويختلف المقيل     تغرهم زخارف دار دنيا
غوائلها بمعمعهم تعول     تطوف عليهم بكؤوس لهو
ومزج كؤوسها الداء الدخيل     وتصقل وجهها لهم خداعا
وتحت صقالها السيف الصقيل



يا هذا قد صانك بالحلال فلا تبتذل ، وبالقناعة فلا تذل ، وطهرك من الأدناس فلا تتوسخ ، ودعاك إلى الأرباح فلا تتوقف ، ويحك إذا خدمت الدنيا رأت نفسها فتدللت ، وإذا أعرضت عنها ، عرفت قدرها فتذللت ، " اخدمي من خدمني ، واستخدمي من خدمك " . يا جامع الدنيا لغيره جمعا يعوقه عن سيره .


ماذا تؤمل لا أبالك في     مال تموت وأنت تمسكه
أنفق فإن الله يخلفه     لا تمض مذموما وتتركه
ما لم يكن لك فيه قط منفعة     مما جمعت فلست تملكه



يا هذا : إنما فضل العاقل لنظره في العواقب ، فأما من لا يرى إلا الحاضر فطفل :


تصفو الحياة لجاهل أو غافل     عما مضى منها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقيقة نفسه     ويسومها طمع المحال فتتبع



قد أعد لك كأسا لا يشبه الكئوس ، موت يسلب الأرواح ، ويختلس النفوس ، ورحلة لا تدري بالسعود أو بالنحوس ، إلى لحد ضيق وعر ما مهدته الفؤوس ، تحط فيه ذليلا وأنت محسوب منكوس ، لا يشبه المطامير ولا يجانس الحبوس ، المدر فيه فراش والتراب فيه لبوس ، أترى يكون لك روضة أو يشبه الناموس ، كم محنة يلقى ذلك الملقى المرموس ، رفقا إذا وطئت الأحداث فالأجداث تدوس ، ثم ينفخ في الصور فتطير إلى الأكف الطروس ، وتجنى ثمار الجزاء يومئذ من قديم الغروس ، وتشتد الشدائد في قمطرير عبوس ، وتذل العتاة الجبابرة المتغطرسون الشوس ، ويتساوى في الخضوع الأتباع والرؤوس ، وتقسم بين الخلائق خلع السعود وملابس النحوس . واعجبا لجمود ذهنك وأنت في الإعراض تنوس ، كم بهرج ورمل وكم تجلى عليك عروس ، أهذا الذي تسمعه كلام الخالق أو صوت الناقوس ، يا مؤثرا شهوة لحظة تجني له حرب البسوس ، يا من قد [ ص: 663 ] غلب الأطباء دواؤه أمريض أنت أم ممسوس ، تعنى بعلاجك " بقراط " وتحير " جالينوس " سبحان من خلق قلبك من حجارة ، تعالى الملك القدوس ، واعجبا لعقلك ! العرض مبذول والعرض محروس ، جل همك مع الدنيا وحظ الأخرى منك مبخوس ، ثوبك جديد صحيح ولكن القلب منكوس ، وبلوغ الخمسين منذر وفي الستين تضرب الكؤوس ، هذا قدر النصائح أفآخذك بالدنوس .


أنت في دنياك ضيف     والتواني منك حيف
مر بالقر شتاء     وأتى بالحر صيف
خاسر من نقده حين     تقوم السوق زيف
فاغتنم أجرا وذكرا     حسنا فالوقت سيف

صح على فرس الجد وقد فرس الغاية ، مجالس الذكر فصول وتعبئة المواعظ شربات ، فاصبر على مرارة المركب لعل الأخلاق تحسن .

واعجبا تفيق في المجلس فتنطق بلفظ توبة كما يفيق المجنون فيتكلم بكلمة حكمة ، فإذا عادت السوداء خلط !


أيفيق من مرض كئيب     إذا جن الظلام عليه أنا

متى كان مرض الجسد عن أخلاط مجتمعة سهلت مداواته ، ومتى كان مرض الجسد التغير عن فساد في القلب فيا قرب التلف ، مداواة العنى ممكن ، وأما مداواة الجنون فيتعذر .


جعلت لعراف اليمامة حكمه     وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا : شفاك الله والله ما لنا     بما ضمنت منك الضلوع يدان

حظ قلبك من هذا الكلام حظ الصدى من سمعك ، علتك علة طريفة يتحير في مثلها المداوي ، تسرع في طلب الدنيا إسراع جواد ، وأنت في طلب الآخرة جبان . إن لاح لك ذنب وثبت وثب فهد ، وإن حرضت على طاعة أخذك فالج ابن أبي دؤاد .


خذ الوقت أخذ اللص واسرقه واختلس     فوائده قبل المنايا الدوائب
ولا تتعلل بالأماني فإنها     عطايا أحاديث النفوس الكواذب
ودونك ورد العمر ما دام صافيا     فخذ وتزود منه قبل الشوائب



[ ص: 664 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية