صفحة جزء
الكلام على قوله تعالى :

قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم

لما كسر الخليل الأصنام حملوه إلى نمرود ، فعزم على إهلاكه ، فقال رجل حرقوه ، قال شعيب الجبائي : خسفت الأرض بالذي قال حرقوه ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

وألقي الخليل في النار وهو ابن ست عشرة سنة ، قال علماء السير : حبسه نمرود ثم بنوا له حوالي سفح جبل منيف طول جداره ستون ذراعا ، ونادى منادي نمرود : أيها الناس احتطبوا لإبراهيم ، ولا يتخلفن عن ذلك صغير ولا كبير ، فمن تخلف ألقي في تلك النار .

ففعلوا ذلك أربعين ليلة حتى إن كانت المرأة لتقول : إن ظفرت بكذا لأحتطبن لنار إبراهيم ، حتى إذا كان الحطب يساوي رأس الجدار قذفوا فيه النار فارتفع لهيبها ، حتى كان الطائر يمر بها فيحترق ، ثم بنوا بنيانا شامخا وبنوا فوقه منجنيقا .

ثم رفعوا إبراهيم على رأس البنيان ، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقال : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل .

ثم رمي به فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال له : أما إليك فلا ، فقال جبريل : سل ربك ، فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي .

أخبرنا محمد بن أبي منصور ، حدثنا جعفر بن أحمد ، أنبأنا الحسن بن علي التميمي [ ص: 99 ] أنبأنا أبو بكر بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا شيبان ، حدثنا أبو هلال : قال حدثنا بكر ، قال لما ألقي إبراهيم في النار جأرت عامة الخليقة إلى ربها عز وجل فقالوا : يا رب ، خليلك يلقى في النار ، فأذن لنا أن نطفئ عنه ، فقال : هو خليلي وليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا ربه ليس له رب غيري ، فإن استغاث بكم فأغيثوه ، وإلا فدعوه ! .

قال : فجاء ملك القطر فقال : يا رب خليلك يلقى في النار ، فأذن لي أطفئ عنه بالقطر ، فقال : هو خليلي ، ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا ربه ليس له رب غيري ، فإن استغاث بك فأغثه وإلا فدعه ! .

فلما ألقي في النار دعا ربه فقال الله تعالى : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع .

قال ابن عباس : لم يبق في الأرض يومئذ نار إلا طفئت ، ظنت أنها هي التي تعنى ، ولو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها .

أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، أنبأنا علي بن صادق ، أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب ، حدثنا أبو القاسم بن موسى ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقد سئل عن التوكل قال : هو قطع الاستشراف باليأس من الخلق ، قيل له : فما الحجة فيه ؟ قال : قصة الخليل ، لما وضع في المنجنيق مع جبريل عليهما السلام ، لما قال : أما إليك فلا ، فقال له : فسل من لك إليه الحاجة ، قال : أحب الأمرين إلي أحبهما إليه .

قال علماء السير : لما ألقي في النار أخذت الملائكة بضبعيه وأجلسوه على الأرض ، فإذا عين من ماء عذب وورد أحمر ولم تحرق النار إلا وثاقه ، ونزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه ، فأقام هناك أربعين يوما ، فجاء آزر إلى نمرود فقال : ائذن لي أن أخرج عظام إبراهيم وأدفنها فخرج نمرود ومعه الناس ، فأمر بالحائط فنقب ، فإذا إبراهيم يمشي في روضة تهتز ونباتها يندى وعليه القميص وتحته الطنفسة ، والملك إلى جنبه والماء يجري في جبينه فناداه نمرود : يا إبراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته هذا لكبير ، هل تستطيع أن تخرج ؟ قال : نعم ، فقام إبراهيم يمشي حتى خرج ، فقال : من هذا الذي رأيت معك ؟ قال : ملك أرسله الله تعالى ليؤنسني ، فقال نمرود : إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته فقال : إذا لا يقبل [ ص: 100 ] منك ما كنت على دينك ، فقال : يا إبراهيم لا أستطيع أن أترك ملكي ، ولكن سوف أذبح له ، فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية