صفحة جزء
الكلام على البسملة


فراك من الأيام ناب ومخلب وخانك لون الرأس والرأس أشيب     فحتام لا تنفك جامح همة
بعيد مرامي النفس والموت أقرب     تسر بعيش أنت فيه منغص
وتستعذب الدنيا وأنت معذب [ ص: 119 ]     تعذبك والأوقات جسمك تغتدي
وتسقيك والساعات روحك تشرب     وتعجب من آفاتها متلفتا
إليها ، لعمر الله فعلك أعجب     وتحسبها بالبشر تبطن خلة
فيظهر منها غير ما تتحسب     إذا رضيت أعمتك عن طرق الهدى
فما ظن ذي لب بها حين تغضب     وفي سلبها ثوب الشباب دلالة
على أنها تعطي خداعا وتسلب     أترضى بأن ينهاك شيبك والحجا
وأنت مع الأيام تلهو وتلعب     أجدك لا تسمع لدنياك موعدا
ولا تترج الري والبرق خلب     ودونك درياق الترجي من الورى
فكل على التجريب صل وعقرب

إخواني : الأيام لكم مطايا فأين العدة قبل المنايا ، أين الأنفة من دار الأذايا أين العزائم أترضون الدنايا ، إن بلية الهوى لا تشبه البلايا ، وإن خطيئة الإصرار لا كالخطايا ، وسرية الموت لا تشبه السرايا ، وقضية الأيام لا كالقضايا ، راعي السلامة يقتل الرعايا رامي التلف يصمي الرمايا ، ملك الموت لا يقبل الهدايا ، يا مستورين ستظهر الخبايا .

استغفروا الله خجلا من العثرات ، ثم اسكبوا حزنا لها العبرات ، عجبا لمؤثر الفانية على الباقية ، ولبائع البحر الخضم بساقية ، ولمختار دار الكدر على الصافية ، ولمقدم حب الأمراض على العافية ، أيها المستوطن بيت غروره تأهب لإزعاجك ، أيها المسرور بقصوره تهيأ لإخراجك ، خذ عدتك وقم في قضاء حاجتك قبل فراق أولادك وأزواجك ، ما الدنيا دار مقامك ، بل حلبة إدلاجك .


أيها الناكب عن نهج الهدى     وهو باد واضح للسالكين
إله عن ذكر التصابي إنه     سرف بعد بلوغ الأربعين
واجعل التقوى معاذا تحتمي     بحماه إنه حصن حصين
واسأل الله تعالى عفوه     واستعنه إنه خير معين

أتأمن بطش ذي البطش ، وتبارزه عالما برؤيته ولم تخش ، يا من إذا وزن طفف وإذا باع غش ، أنسيت النزول في بيداء الدبيب والوحش ، أنسيت الحلول في لحد خشن الفرش ، يا مغترا بزخرف الهوى قد ألهاه النقش ، إذا جنيت على نفسك فعلى من الأرش ، يا من إذا جاء الفرض التوى وإذا حان اللهو هش ، يا من لا يصبر للقضاء ولو على خدش ، كن مستيقظا فإنك بعين ذي العرش :


تعلل بالآمال والموت أسرع     وتغتر بالأيام والوعظ أنفع
[ ص: 120 ] وما المرء إما لم يمت فهو ذائق     فراق الأخلاء الذي هو أوجع
فودع خليل النفس قبل فراقه     فما الناس إلا ظاعن أو مودع

يا حزينا على فراق موتاه ، كئيبا لمطلوب ما واتاه ، كأنه بالموت قد أتاه ، فألحقه ما أباه أباه ، ووافاه ما أطبق فاه فما فاه :


يا كثير الحرص مشغو     لا بدنيا ليس تبقى
ما رأينا الحرص أدنى     من حريص قط رزقا
لا ولكن في قضاء اللـ     ـــه أن نعنى ونشقى
قد رأينا الموت أفنى     قبلنا خلقا فخلقا
درجوا قرنا فقرنا     وبقى من ليس يبقى

قدم على محمد بن واسع ابن عم له فقال له : من أين أقبلت ؟ فقال : من طلب الدنيا فقال : هل أدركتها ؟ قال : لا ، قال : واعجبا ! أنت تطلب شيئا لم تدركه ، فكيف تدرك شيئا لم تطلبه .

يا هذا عليك بالجد والاجتهاد ، وخل هذا الكسل والرقاد ، فطريقك لا بد لها من زاد .


انهض إلى المعالي     واقبل ولا تبالي
وخذ من الزمان     حظا فأنت فاني
الهمم العلية     والمهج الأبية
تقرب المنية     منك أو الأمنية
المجد بالمخاطرة     والنصر بالمصابرة
كم راحة في العزلة     وعمل في العطلة
ليس يدوم حال     شحم المنى هزال
ما للورى في غفلة     قد خدعوا بالمهلة
ألا لبيب يعقل     ألا جهول يسأل
أأنتم في ريبة     ما أعظم المصيبة
دنياكم حبيبة     لحسنها والطيبة
لكنها غدارة     خداعة غرارة
ليس لها حبيب     زوالها قريب
كالمومس البغي     تلبس كل زي
خلوبة خوانة     ليس لها أمانة
[ ص: 121 ] عزيزها ذليل     كثيرها قليل
تفرق الأحبابا     تشتت الأترابا
حرب لمن سالمها     تمل من لازمها
لقاؤها فراق     وعرسها طلاق
وصالها صدود     ووعدها وعيد
وصالها عنا     صدودها بلا
عقودها منقوضة     عهودها مرفوضة
شرابها سراب     نعيمها عذاب
إن أقبلت ففتنة     أو أدبرت فمحنة
أخلاقها مذمومة     لذاتها مسمومة
يحظى بها الجهال     وينعم الأنذال
يشقى بها اللبيب     ويتعب الأريب
فخل عنها يا فتى     إلى متى إلى متى

التالي السابق


الخدمات العلمية