صفحة جزء
واعلم أن من تفكر في ذنبه وجد الزمان الذي عصى فيه قد خلا عن طاعة وامتلأ بخطيئة ، ثم يحتاج إلى زمان يتشاغل فيه بالتوبة ، ثم يتأسف على ما سبق ، ويكفي هذا .

وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال ربكم عز وجل : لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد .

[ ص: 123 ] أنبأنا أحمد بن علي المحلي ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا الحسين بن بشران أنبأنا أبو علي البردعي ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثنا الزبير بن أبي بكر ، حدثني أبو ضمرة ، عن نافع بن عبد الله ، عن فروة بن قيس ، عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقصوا المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم .

قال القرشي : وحدثني إبراهيم بن سعيد ، قال حدثنا إبراهيم بن مهدي ، قال حدثنا أبو حفص الأبار ، عن أشعث بن سوار ، عن كردوس التغلبي ، قال : حدثني رجل من أهل المسجد مسجد الكوفة ، وكان أبوه ممن شهد بدرا قال : مررت على قرية تتزلزل فوقفت قريبا أنظر ، فخرج علي رجل فقلت : ما وراءك ؟ فقال : تركتها تتزلزل وإن الحائطان ليصطكان ويرمى بعضها ببعض ، فقلت : وما كانوا يعملون ؟ قال : كانوا يأكلون الربا .

وقال رجل للحسن : أعياني قيام الليل ؟ قال : قيدتك خطاياك ! .

أنبأنا محمد بن أبي منصور ، عن عبد القادر بن محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الفضل الزهري ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الذهبي ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا أحمد بن المثنى ، حدثنا عبد القدوس الحواري ، عن هشام قال : اغتم ابن سيرين مرة فقيل له : يا أبا بكر ما هذا الغم ؟ قال : هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة .

أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، قال حدثنا أبو سعيد بن أبي صادق ، قال أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال سمعت محمد بن فارس يقول : أنبأنا علي بن قرين قال : سمعت الجنيد يقول : من هم بذنب لم يعمله عوقب بذنب لم يعرفه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أنبأنا أبو الغنائم الدجاجي ، أنبأنا علي بن معروف ، حدثنا محمد بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن سعد الجوهري ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن صالح المري ، عن أبي عمران الجوني قال : مكتوب في الإنجيل : تعملون الخطايا وتنكرون العقوبة ! .

[ ص: 124 ] يا من معاصيه جمة مشهورة ونفسه بما يجني عليها مسرورة ، أفي العين كمه أم عشى ، أإليك الأمر كما تشا ، أعلى القلب حجاب أم غشا ، يا كثير المعاصي قعد أو مشى ، عظمت ذنوبك فمتى تقضي ، يا مقيما وهو في المعنى يمضي ، أفنيت الزمان في الخطايا ضياعا ، وساكنت غرورا من الأمل وأطماعا ، وصرت في تحصيل الدنيا محترفا صناعا ، تصبح جامعا وتمسي مناعا ، فتش على قلبك ولبك قد ضاعا ، تفكر في عمرك مضى نهبا مشاعا ، لا في الشباب أصلحت ولا في الكهولة أفلحت ، كم حملت أزرك وزرا ثقيلا ، واجترحت يا بعد صلاح ما جرحت ، يا سيء السريرة كم عليك جريرة ، ويحك أتنسى الحفيرة ، أم هي عندك حقيرة ، أيام عمرك قصيرة وتضيعها على بصيرة ، لقد قطع الأجل مسيره ، ولكن على أقبح سيرة ، ذنوبك جمة كثيرة ، وعينك به قريرة ما تظلم بها مقدار شعيرة .

قال محمد بن كعب القرظي : إنما الدنيا سوق خرج الناس منها بما يضرهم وبما ينفعهم ، وكم اغتر ناس فخرجوا ملومين واقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم فيحق لنا أن ننظر إلى ما نغبطهم به من الأعمال فنعملها وإلى ما نتخوف فنجتنبها .

وقال يحيى بن معاذ : المغبون من عطل أيامه بالبطالات وسلط جوارحه على الهلكات ، ومات قبل إفاقته من الجنايات :


بدت دهياء تنذر بالخطوب نلاحظها بأبصار القلوب     وقد دل المجيء على ذهاب
كما دل الطلوع على الغروب     ولكن القلوب محجبات
وسوء حجابها كسب الذنوب

يا هذا الطالب حييت فبادر ، والفضائل معرضة فثابر ، اترك الهوى محمودا ، قبل أن يتركك مذموما ، إن فاتتك قصبات السبق في الولاية : فلا تفوتنك ساعات الندم في الإنابة ، آه للسان نطق بإثم كيف غفل عن قوله تعالى : اليوم نختم على أفواههم آه ليد امتدت للحرام كيف نسيت وتكلمنا أيديهم آه لقدم سعت في الآثام كيف لم تتدبر : وتشهد أرجلهم آه لجسد ربا على الربا ، أما سمع منادي التحذير على ربى : فلا يربو عند الله آه لذي فم فغره لتفريغ كأس الخمر ، أما بلغه زجر : فاجتنبوه .

[ ص: 125 ]

قد كان عمرك ميلا     فأصبح الميل شبرا
وأصبح الشبر عقدا     فاحفر لنفسك قبرا

يا من راح في المعاصي وغدا ، ويقول : سأتوب اليوم أو غدا ، كيف تجمع قلبا قد صار في الهوى مبددا ، كيف تلينه وقد أمسى بالجهل جلمدا ، كيف تحثه وقد راح بالشهوات مقيدا ، لقد ضاع قلبك فاطلب له ناشدا ، تفكر بأي وجه تتلقى الردى ، تذكر ليلة تبيت في القبر منفردا :


أيها المشغوف بالدنــ     ــيا صبوا وغراما
أبدا هي أبدا تبـــ     ــطن في الشهد سماما
تخضع الراضع بالدر     ر وتنسيه الفطاما
فإذا هز بوعظ     صم عنه وتعامى
فهو كالشاكي الذي يز     داد بالطب سقاما
وكمثل الطفل في المهــ     ـــد إذا حرك ناما

التالي السابق


الخدمات العلمية