صفحة جزء
الكلام على قوله تعالى :

فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة

فهل ينظرون بمعنى ينتظرون ، والساعة : القيامة ، سميت ساعة لأنها تكون في ساعة ، والبغتة : الفجأة ، والأشراط : العلامات .

أخبرنا أبو نصر الطوسي وأبو القاسم السمرقندي وأبو عبد الله بن البناء ، وأبو الفضل بن العالمة وأبو الحسن الخياط ، قالوا أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا ابن حبابة ، حدثنا البغوي حدثنا طالوت بن عباد ، حدثنا فضال بن جبير ، عن أبي أمامة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها .

أخبرنا أبو القاسم الكاتب ، حدثنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه عن النبي قال : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانك أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ : وما به إلا البلاء .

وفي الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل وتشرب الخمر ويظهر الزنا ، ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد .

وفي أفراد البخاري من حديث أنس أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما أول أشراط الساعة ؟ قال : أول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب .

[ ص: 147 ] وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويتطاول الناس في البنيان ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها .

وفي حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده .

أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي ، حدثنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي ، قالا أنبأنا الجراحي ، حدثنا المحبوبي ، حدثنا الترمذي ، حدثنا صالح بن عبيد الله ، حدثنا الفرج بن فضالة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عمر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ، قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : إذا كان المغنم دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه ، وبر صديقه وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وشربت الخمور ، ولبس الحرير ، واتخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا .

اعلم أنك إن لم تدرك أشراط القيامة فقيامتك العاجلة موتك ، فإذا حانت ساعة الوفاة فات زمن الاستدراك وخرج ربيع البدار ، فسد باب الإجابة عن دعاء الإنابة ، كما قال عز وجل في القيامة : فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم أي فمن أين لهم إذا جاءتهم الساعة أن يتذكروا ويتوبوا إذا جاءت ، فكذلك عند صرعة الموت لا عثرة تقال ولا توبة تنال .

روى مروان بن سالم عن البرجمي رفعه ، قال : احضروا موتاكم ولقنوهم لا إله إلا [ ص: 148 ] الله وبشروهم بالجنة ، فإن الحليم العليم يتحير عند ذلك المصرع ، وإن إبليس أقرب ما يكون من العبد في ذلك الموطن عند فراق الدنيا وترك الأحبة .


خذ لا أبا لك للمنية عدة واحتل لنفسك إن أردت صلاحها     لا تغترر فكأنني بعقاب ريـــــــــ
ـــب الدهر قد نشرت عليك جناحها

ويحك ! أمن الأخرى عوض ؟ أنتم في الدنيا عرض ، يا من كلما بنى نقض ، يا من كلما رفع انخفض ، يا عجيب الداء والمرض ، كم شاهدت مسلوبا ، كم عاينت مغلوبا ، كم مخفوض بعد الرفع ، كم مضرور بعد النفع ، كم مدفوع عن أغراضه أقبح الدفع ، بينما هو في ثياب أوجاعه ومنى السلامة تخطر في أطماعه أسرع الموت ونادى بإسراعه ، فعجز عن مقاومته أو عن دفاعه ، فحارت من حاله قلوب أتباعه ، واشتغل بضياع أمره عن ضياعه ، وأقبلت قبائله على تقبيله ووداعه ، وبكى لميله إلى الهوى عند نزعه ونزاعه ، وهذا مصيرك فانتبه له وراعه .


ترد بالنسك وأفعاله     يا من إذا حان منك المرد
وردت دنياك على غرة     فويح مغرور عليها ورد
إن مر ذا الفاتك في جهله     فليخش يوما ماله من مرد

إخواني ما بال النفوس تعرف حقائق المصير ، ولا تعرف عوائق التقصير ، وكيف رضيت بالزاد اليسير ، وقد علمت طول المسير ، أم كيف أقبلت على التبذير وقد حذرت غاية التحذير ، أما تخاف زلل التعثير إذا حوسبت على القليل والكثير .

كان خليد البصري يقول : كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا ، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا ، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا ، فعلام تعرجون وماذا عسيتم تنتظرون ، فهذا الموت أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر ، فيا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيرا جميلا .


سيكفي بعض ما فاتك     فلا تأس لما فاتك
ولا تركن إلى الدنيا     أما تذكر أمواتك

دخل بعض العباد على بعض الأمراء فقال له الأمير : ما أزهدك وأصبرك فقال : إن صبري جزع من النار وزهدي رغبة في الجنة .

يا غافلا في بطالته ، يا من لا يفيق من سكرته ، أين ندمك على ذنوبك ، أين حسرتك على عيوبك ، إلى متى تؤذي بالذنب نفسك وتضيع يومك تضييعك أمسك ، لا مع [ ص: 149 ] الصادقين لك قدم ، ولا مع التائبين لك ندم ، هلا بسطت في الدجى يدا سائلة ، وأجريت في السحر دموعا سائلة .


خدعتنا زخارف الآمال     فلهونا بها عن الآجال
عجبي من مؤمل آمن السر     ب بها وهي خطة الأوجال
نحن سفر وإنما أمهلتنا     ريثما نستعد للترحال

أسفا لمن إذا ربح العاملون خسر ، وإذا أطلق المقيدون أسر ، من له إذا خوصم فلم ينتصر ، ونسي يوم الرحمة فما ذكر ، فالجد الجد أيها الغافل فأيام العمر كلها قلائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية