الكلام على
قوله تعالى :
إني جزيتهم اليوم بما صبروا
كان كفار قريش
كأبي جهل وعتبة والوليد قد اتخذوا فقراء الصحابة
كعمار nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال nindex.php?page=showalam&ids=211وخباب nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب سخريا يستهزئون بهم ويضحكون منهم ، فإذا كان يوم القيامة قيل لهم
إني جزيتهم اليوم بما صبروا على أذاكم واستهزائكم .
لما علم الصالحون أن الدنيا دار حلة دافعوا زمان البلاء وأدلجوا في ليل الصبر علما منهم بقرب فجر الأجر ، فما كانت إلا رقدة حتى صبحوا منزل السلامة نفذت أبصار بصائرهم بنور الغيب إلى مشاهدة موصوف الوعد ، فتعلقت يد الآمال بما عاينت بواطن القلوب ، وأخمصوا عن الحرام البطون وغضوا عن الآثام الجفون ، وسكبوا في ظلام الليل الدموع ، وتململوا تململ الملسوع ، استقاد قلوبهم زمان التطلف ثم جثها سائق التعسف ، فكلما ألاح لهم الرجاء نور الوصال طبق ظلام الخوف سماء الأعمال ، فهم في بيداء التحير يسرحون ، ومن باب التضرع لا يبرحون ، وحزنهم أولى مما يفرحون ، فإذا عمهم الغم فبالذكر يتروحون ، رفضوا الدنيا فسلموا وطلبوا الأخرى فما ندموا يا بشراهم إذا قدموا وغنموا .
[ ص: 168 ] أخبرنا
أبو بكر الصوفي ، أنبأنا
أبو سعد الحيري ، أنبأنا
أبو عبد الله الشيرازي حدثنا
أبو زرعة الطبري ، حدثني
يحيى بن عبد الله بن الحارث ، حدثنا
محمد بن يزيد بن عبد الصمد ، حدثنا
سعيد بن نصر ، حدثني
محمد بن يحيى بن عبد الكريم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، قال حدثني حكيم من الحكماء قال مررت بعريش مصر وأنا أريد الرباط ، فإذا أنا برجل في مظلة قد ذهبت عيناه ويداه ورجلاه وبه أنواع البلاء وهو يقول : الحمد لله حمدا يوافي شكرك بما أنعمت علي وفضلتني على كثير من خلقك تفضيلا ، فقلت : لأنظرن أشيء علمه أو ألهمه إلهاما ، فقلت : على أي نعمة تحمده ، فوالله ما أرى شيئا من البلاء إلا وهو بك ! فقال : ألا ترى ما قد صنع بي ؟ فوالله لو أرسل السماء علي نارا فأحرقتني وأمر الجبال فدكتني وأمر البحار فغرقتني ما ازددت له إلا حمدا وشكرا ، ولكن لي إليك حاجة ، بنية لي كانت تخدمني وتتعاهدني عند إفطاري فانظر هل تحس بها ؟ فقلت : والله إني لأرجو أن يكون لي في قضاء حاجة هذا العبد الصالح قربة إلى الله عز وجل ، فخرجت أطلبها بين تلك الرمال فإذا السبع قد أكلها فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ! من أين آتي هذا العبد الصالح فأخبره بموت ابنته ، فأتيته فقلت : أنت أعظم عند الله منزلة أم أيوب ؟ ابتلاه الله تعالى في ماله وأهله وولده وبدنه حتى صار غرضا للناس ؟ فقال : لا بل أيوب ، فقلت : إن ابنتك التي أمرتني أن أطلبها أصبتها فإذا السبع قد أكلها ، فقال : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا وفي قلبي شيء ، ثم شهق شهقة فمات ، فصليت عليه أنا وجماعة معي ثم دفنته ، ثم بت ليلتي حتى إذا مضى من الليل قدر ثلثه وإذا به في روضة خضراء وإذا عليه حلتان خضراوان وهو قائم يتلو القرآن ، فقلت : ألست صاحبي بالأمس ؟ فقال : بلى .
فقلت : ما صيرك إلى ما أرى ؟ فلقد زدت على العابدين درجة لم ينالوها : قال :
بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء .
أخبرنا
محمد بن أبي منصور ، أنبأنا
أبو طالب اليوسفي ، أنبأنا
يوسف بن محمد المهراني ، أنبأنا
أحمد بن محمد بن حسنون ، حدثنا
جعفر الخواص ، حدثنا
ابن مسروق ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14179محمد بن الحسين ، حدثني
يحيى بن بسطام الأصغر ، حدثني
حريث بن طرفة قال كان
حسان بن أبي سنان يصوم الدهر ويفطر على قرص ويتسحر بآخر ، فنحل وسقم جسمه حتى صار كهيئة الخيال ، فلما مات وأدخل مغتسله ليغسل كشف الثوب عنه فإذا هو كالخيط الأسود قال : وأصحابه يبكون حوله ، قال
حريث : فحدثني nindex.php?page=showalam&ids=17292يحيى البكاء وإبراهيم ابن محمد العرني قالا : لما نظرنا إلى
حسان على مغتسله وما قد أبلاه الدؤوب استدمع أهل البيت وعلت أصواتهم ، فسمعنا قائلا يقول من ناحية البيت :
[ ص: 169 ] تجوع للإله لكي يراه نحيل الجسم من طول الصيام
فوالله ما رأينا في البيت إلا باكيا ونظرنا فلم نر أحدا ، قال
حريث : فكانوا يرون أن بعض الجن قد بكاه .
قال بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث : جئت إلى بابه فإذا هو في الدهليز وبين يديه بطيخة وهو يقول لنفسه : أكلتيها فكان ماذا ؟ فطرقت عليه الباب ودخلت وقلت أي شيء هذه تعاتب نفسك فيها ، فقال :
صبرت على الأيام حتى تولت وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت
ثم رمى بالبطيخة إلي وأنشأ يقول :
وإن كدي لشبع بطني يبيع ديني بلا محال
من نال دنيا بغير دين نال وبالا على وبال
أخبرنا
يحيى بن علي ، أنبأنا
أبو بكر الخياط ، أنبأنا
الحسن بن الحسين بن حمكان حدثنا
أبو بكر النقاش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14474محمد بن إسحاق السراج ، قال سمعت
أحمد بن الفتح يقول : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها فقلت له : يا أبا نصر ما فعل الله بك ؟ قال رحمني وغفر لي وأباحني الجنة بأسرها وقال لي : كل من جميع ثمارها واشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها ، كما كنت تحرم على نفسك الشهوات في دار الدنيا .
أخبرنا
عبد الوهاب الحافظ ، أنبأنا
أبو الحسين بن عبد الجبار أنبأنا
الحسين بن علي الطناجيري أنبأنا
عبيد الله بن عثمان ، أخبرنا
علي بن محمد العنبري ، أخبرنا
عبد الرحمن ابن معاوية القرشي ، حدثنا
محمد بن الفرج الصدفي ، حدثنا
جعفر بن هرون ، عن
مسلمة ابن جعفر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن قال : إن لله تعالى عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين ، قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قصارا تعقب راحة طويلة ، أما الليل فصافة أقدامهم تسيل دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى ربهم عز وجل ربنا ربنا ، وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى أو قد خولطوا ، وما بهم مرض ولكن خالط القوم أمر عظيم .
أخبرنا
أبو بكر الصوفي ، أنبأنا
أبو سعد الحيري ، حدثنا
أبو عبد الله الشيرازي حدثنا
محمد بن الحسين الزنجاني ، حدثنا
عيسى بن هرون ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14196إبراهيم بن الجنيد ، حدثني
[ ص: 170 ] محمد بن صالح بن يحيى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16110شعيب بن حرب ، قال : كان قوم من الحواريين على شاطئ البحر يتحدثون في ملكوت السماء وفي خدعة الدنيا لمن فيها ، فسمعوا هاتفا من البحر يقول : إن لله عبادا أخلصتهم الخشية وأذابهم الحزن ، فلم تجف دمعتهم ولم يشغلهم عن ربهم شاغل ، تفرغوا ونصبوه بين أعينهم ، أولئك على كراسي من نور عند قائمة العرش يضحك الله إليهم ويضحكون إليه فصعقوا وسقط بعضهم في البحر ومات باقيهم .
أخبرنا
ابن ناصر ، أنبأنا
محمد بن علي القرشي ، حدثنا
أبو عبد الله محمد بن علي الحسيني ، حدثنا
أبو حازم محمد بن علي الوشاء ، حدثنا
زيد بن محمد بن جعفر ، حدثنا
داود بن يحيى الدهقان ، حدثنا
محمد بن حماد بن عمرو حدثنا
حسين بن حسين بن محمد ابن بكر ، عن
أبي الجارود ، عن
عطية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنه ليبلغ من كرامة العبد على الله عز وجل يوم القيامة أنه ليكون له في الجنة ألف باب ، ما منها باب إلا عليه خدم من خدمه ، فتقبل الملائكة حتى ينتهوا إلى تلك الأبواب فيقولون هل على سيدكم من إذن ؟ فيقولون : ما ندري ؟ فيأتونه فيقولون : إن ملائكة من ملائكة الله على الأبواب يقولون : هل على سيدكم من إذن ؟ فيقولون : نعم ، فيدخلون عليه بالتحية .
يا قليل الصبر إنما هي مراحل ، فصابر لجة البلاء فالموت ساحل ، تأمل تحت سجف ليل الصبر صبح الأجر ، واحبس لسانك عن الشكوى في سجن الصبر ، واقطع نهار اللأواء بحديث الفكر ، وأوقد في دياجي الآلام مصباح الشكر ، وقلب قلبك بين ذكر الثواب وتمحيص الوزر ، وتعلم أن البلاء يمزق ركام الذنوب تمزيق الشباك ويرفع درجات الفضائل إلى كاهل السماك ومن تفكر في سر
إن الله مع الصابرين أنس بجليسه ، ومن تذكر
إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فرح بامتلاء كيسه .
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا