وأما قوله تعالى في سورة النجم :
ثم دنا فتدلى ، فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء ، فإن الذي في سورة النجم هو دنو
جبريل وتدليه ، كما قالت
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما ، فإنه قال :
علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى ( النجم : 5 - 8 ) . فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى ، وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء ، فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه . وأما الذي في سورة النجم : أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، فهذا هو
جبريل ، رآه مرتين ، مرة في الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى .
ومما يدل على أن
الإسراء بجسده في اليقظة ، قوله تعالى :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( الإسراء : 11 ) . والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ، هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح . فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ،
[ ص: 277 ] وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر .
فإن قيل : فما الحكمة في الإسراء إلى
بيت المقدس أولا ؟ فالجواب - والله أعلم - : أنه كان ذلك إظهارا لصدق دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم المعراج حين سألته
قريش عن نعت
بيت المقدس فنعته لهم وأخبرهم عن عيرهم التي مر عليها في طريقه ، ولو كان عروجه إلى السماء من
مكة لما حصل ذلك ، إذ لا يمكن اطلاعهم على ما في السماء لو أخبرهم عنه ، وقد اطلعوا على
بيت المقدس ، فأخبرهم بنعته .
وفي حديث المعراج دليل على
ثبوت صفة العلو لله تعالى من وجوه ، لمن تدبره ، وبالله التوفيق .