[ ص: 336 ] فإن قيل :
إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره ، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله ، فكيف ننكره ونكرهه ؟ ! فالجواب : أن يقال أولا : نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره ، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة ، بل من المقضي ما يرضى به ، ومنه ما يسخط ويمقت ، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه ، بل من القضاء ما يسخط ، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم .
ويقال ثانيا : هنا أمران : قضاء الله ، وهو فعل قائم بذات الله تعالى . ومقضي : وهو المفعول المنفصل عنه . فالقضاء كله خير وعدل وحكمة ، نرضى به كله . والمقضي قسمان : منه ما يرضى به ، ومنه ما لا يرضى به .
ويقال ثالثا :
القضاء له وجهان : أحدهما : تعلقه بالرب تعالى ونسبته إليه ، فمن هذا الوجه يرضى به . والوجه الثاني : تعلقه بالعبد ونسبته إليه ، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به . مثال ذلك : قتل النفس ، له اعتباران : فمن حيث قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره - يرضى به ، ومن حيث صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله - نسخطه ولا نرضى به .