والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل ، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية ، لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفقا عليها ، استدل بها ، ولم يحتج إلى الاستدلال عليها . والطريقة الصحيحة في البيان أن تحذف ، وهي طريقة القرآن ، بخلاف ما يدعيه الجهال ، الذين يظنون أن القرآن ليس فيه طريقة برهانية ، بخلاف ما قد يشتبه ويقع فيه نزاع ، فإنه يبينه ويدل عليه .
ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم ، باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقا خلق بعض العالم ، كما يقوله الثنوية في الظلمة ، وكما يقوله
القدرية في أفعال الحيوان ، وكما يقوله
الفلاسفه الدهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس ، أو الأجسام الطبيعية ، فإن هؤلاء يثبتون أمورا محدثة بدون إحداث الله إياها ، فهم مشركون في بعض الربوبية ، وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئا من نفع أو ضر ، بدون أن يخلق الله ذلك .