وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع ، فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها ، وأعظم الناس لها إنكارا الفلاسفة المسمون عند من يعظمهم بالحكماء ، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر ، فإن
مذهبهم أن الله سبحانه وجود مجرد لا ماهية له ولا حقيقة ، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها ، وكل موجود في الخارج فهو جزئي ، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته ، وإنما العالم عندهم لازم له أزلا وأبدا ، وإن سموه مفعولا له فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه ، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته ! فهذا إيمانهم بالله .
وأما كتبه عندهم ، فإنهم لا يصفونه بالكلام ، فلا تكلم ولا يتكلم ، ولا قال ولا يقول ،
والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر ، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص : قوة الإدراك وسرعته ، لينال العلم أعظم مما يناله غيره ! وقوة النفس ، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة !
[ ص: 403 ] وقوة التخييل ، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة ، وهي الملائكة عندهم ! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول ، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان .
وأما اليوم الآخر ، فهم أشد الناس تكذيبا به وإنكارا له ، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب ، ولا تنشق السماوات ولا تنفطر ، ولا تنكدر النجوم ، ولا تكور الشمس والقمر ، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار ! كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام ، لا حقيقة لها في الخارج ، كما يفهم منها أتباع الرسل . فهذا إيمان هذه الطائفة - الذليلة الحقيرة - بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . وهذه هي
أصول الدين الخمسة .