قوله : ( والإيمان : هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان . وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق . والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء ، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ، ومخالفة الهوى ، وملازمة الأولى ) .
ش : اختلف الناس
فيما يقع عليه اسم الإيمان ، اختلافا كثيرا : فذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث ، وأهل
المدينة رحمهم الله ، وأهل الظاهر ، وجماعة من المتكلمين : إلى أنه تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان .
وذهب كثير من أصحابنا إلى ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي رحمه الله : أنه الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان .
ومنهم من يقول : إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي ، وإلى
[ ص: 460 ] هذا ذهب
أبو منصور الماتريدي رحمه الله ، ويروى عن
أبي حنيفة رضي الله عنه .
وذهب
الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ! فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملو الإيمان ، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به ! وقولهم ظاهر الفساد .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم بن صفوان وأبو الحسين الصالحي أحد رؤساء
القدرية - إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب ! وهذا القول أظهر فسادا مما قبله ! فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين ، فإنهم عرفوا صدق
موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، ولم يؤمنوا بهما ، ولهذا قال
موسى لفرعون :
لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر [ الإسراء : 102 ] . وقال تعالى :
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [ النمل : 14 ] . وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ولم يكونوا مؤمنين به ، بل كافرين به ، معادين له ، وكذلك
[ ص: 461 ] أبو طالب عنده يكون مؤمنا ، فإنه قال :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
بل إبليس يكون عند
الجهم مؤمنا كامل الإيمان ! فإنه لم يجهل ربه ، بل هو عارف به ،
قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون [ الحجر : 36 ] .
قال رب بما أغويتني [ الحجر : 39 ] .
قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين [ ص : 82 ] . والكفر عند
الجهم هو الجهل بالرب تعالى ، ولا أحد أجهل منه بربه ! فإنه جعله الوجود المطلق ، وسلب عنه جميع صفاته ، ولا جهل أكبر من هذا ، فيكون كافرا بشهادته على نفسه !
[ ص: 462 ] وبين هذه المذاهب مذاهب أخر ، بتفاصيل وقيود ، أعرضت عن ذكرها اختصارا ، ذكر هذه المذاهب
أبو المعين النسفي في " تبصرة الأدلة " وغيره .
وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان : إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله ، كما تقدم ، أو بالقلب واللسان دون الجوارح ، كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن
أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله . أو باللسان وحده ، كما تقدم ذكره عن
الكرامية . أو بالقلب وحده ، وهو إما المعرفة ، كما قاله الجهم ، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله . وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر .