[ ص: 532 ] ولو
صلى خلف مبتدع الصلاة خلف المبتدع والفاسق يدعو إلى بدعته ، أو فاسق ظاهر الفسق ، وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه ، كإمام الجمعة والعيدين ، والإمام في صلاة الحج
بعرفة ، ونحو ذلك - : فإن المأموم يصلي خلفه ، عند عامة السلف والخلف .
ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر ، فهو مبتدع عند أكثر العلماء . والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون ، كما كان
عبد الله بن عمر يصلي خلف
nindex.php?page=showalam&ids=15699الحجاج بن يوسف ، وكذلك
أنس رضي الله عنه ، كما تقدم ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف
nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان يشرب الخمر ، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ، ثم قال : أزيدكم ؟ ! فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ! !
وفي الصحيح : أن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص ، فسأل سائل
عثمان : إنك إمام عامة ، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة ؟ فقال : يا ابن أخي ، إن الصلاة من أحسن
[ ص: 533 ] ما يعمل الناس ، فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة ، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته ، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب .
ومن ذلك : أن
من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه - : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة .
وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة ، فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم . وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ، ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية ، فهنا لا يترك الصلاة خلفه ، بل الصلاة خلفه أفضل ، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة ، وجب عليه ذلك ، لكن إذا ولاه غيره ، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة ، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر - : فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ،
[ ص: 534 ] ولا
دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما ، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، بحسب الإمكان . فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر ، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا ، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة .
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر ، فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر . وحينئذ ، فإذا
صلى خلف الفاجر من غير عذر ، فهو موضع اجتهاد العلماء : منهم من قال . يعيد ، ومنهم من قال : لا يعيد . وموضع بسط ذلك في كتب الفروع .
وأما الإمام إذا نسي أو أخطأ ، ولم يعلم المأموم بحاله ، فلا إعادة على المأموم ، للحديث المتقدم . وقد صلى
عمر رضي الله عنه وغيره وهو جنب ناسيا للجنابة . فأعاد الصلاة ، ولم يأمر المأمومين بالإعادة . ولو علم بعد فراغه أن إمامه كان على غير طهارة ، أعاد عند
أبي حنيفة ، خلافا
لمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد في المشهور عنه . وكذلك لو فعل الإمام ما لا يسوغ عند المأموم . وفيه تفاصيل موضعها كتب الفروع . ولو علم أن إمامه يصلي على غير وضوء فليس له أن يصلي خلفه ، لأنه لاعب ، وليس بمصل .