والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل : أن
النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس ، وهو جسم نوراني علوي ، خفيف حي متحرك ، ينفذ في جوهر الأعضاء ، ويسري فيها سريان الماء في الورد ، وسريان الدهن في الزيتون ، والنار في الفحم . فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف ، بقي ذلك الجسم اللطيف ساريا في هذه الأعضاء ، وأفادها هذه الآثار ، من الحس والحركة الإرادية ، وإذا فسدت هذه ، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها ، وخرجت عن قبول تلك الآثار ، فارق الروح البدن ، وانفصل إلى عالم الأرواح .
والدليل على ذلك قوله تعالى :
الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية [ الزمر : 42 ] . ففيها الإخبار بتوفيها وإمساكها وإرسالها .
وقوله تعالى :
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم [ الأنعام : 93 ] ففيها بسط الملائكة أيديهم لتناولها ، ووصفها بالإخراج والخروج ، والإخبار بعذابها ذلك اليوم ، والإخبار عن مجيئها إلى ربها .
وقوله تعالى :
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه [ ص: 566 ] الآية [ الأنعام : 60 ] . ففيها الإخبار بتوفي النفس بالليل ، وبعثها إلى أجسادها بالنهار ، وتوفي الملائكة لها عند الموت .
وقوله تعالى :
ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي . [ الفجر : 27 - 30 ] ففيها وصفها بالرجوع والدخول والرضا . وقال صلى الله عليه وسلم : إن الروح إذا قبض تبعه البصر . ففيه وصفه بالقبض ، وأن البصر يراه . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث
بلال : nindex.php?page=hadith&LINKID=964450قبض أرواحكم [ حين شاء ] وردها عليكم [ حين شاء ] . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964451نسمة المؤمن [ ص: 567 ] طائر يعلق في شجر الجنة .
وسيأتي في الكلام على عذاب القبر أدلة كثيرة من خطاب ملك الموت لها ، وأنها تخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، وأنها تصعد ويوجد منها [ من المؤمن ] كأطيب ريح ، ومن الكافر كأنتن ريح ، إلى غير ذلك من الصفات . وعلى ذلك أجمع السلف ودل العقل ، وليس مع من خالف سوى الظنون الكاذبة ، والشبه الفاسدة ، التي لا يعارض بها ما دل عليه نصوص الوحي والأدلة العقلية .