[ ص: 55 ] وكل
من له حس سليم وعقل يميز به ، يحتاج في الاستدلال إلى أوضاع أهل الكلام والجدل واصطلاحهم وطرقهم البتة ، بل ربما يقع بسببها في شكوك وشبه يحصل له بها الحيرة والضلال والريبة ، فإن التوحيد إنما ينفع إذا سلم قلب صاحبه من ذلك ، وهذا هو القلب السليم الذي لا يفلح إلا من أتى الله به .
ولا شك أن النوع الثاني والثالث من التوحيد الذي ادعوا أنه توحيد الخاصة وخاصة الخاصة ، ينتهي إلى الفناء الذي يشمر إليه غالب الصوفية ، وهو درب خطر ، يفضي إلى الاتحاد . انظر إلى ما أنشد شيخ الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=16132أبو إسماعيل الأنصاري رحمه الله تعالى حيث يقول :
ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته
عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده
ونعت من ينعته لاحد
[ ص: 56 ] وإن كان قائله رحمه الله لم يرد [ به ] الاتحاد ، لكن ذكر لفظا مجملا محتملا جذبه به الاتحادي إليه ، وأقسم بالله جهد أيمانه إنه معه ، ولو سلك الألفاظ الشرعية التي لا إجمال فيها كان أحق ، مع أن المعنى الذي حام حوله لو كان مطلوبا منا لنبه الشارع عليه ودعا الناس إليه وبينه ، فإن على الرسول البلاغ المبين ، فأين قال الرسول : هذا توحيد العامة ، وهذا توحيد الخاصة ، وهذا توحيد خاصة الخاصة ؟ أو ما يقرب من هذا المعنى ؟ أو أشار إليه .
هذه النقول والعقول حاضرة .