وكذلك
الذين يصعقون عند سماع الأنغام الحسنة ، مبتدعون ضالون ! وليس للإنسان أن يستدعي ما يكون سبب زوال عقله ! ولم يكن في الصحابة والتابعين من يفعل ذلك ، ولو عند سماع القرآن ، بل كانوا كما وصفهم الله تعالى : "
إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون [ الأنفال : 2 ] . وكما قال تعالى : "
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد [ الزمر : 23 ] .
وأما الذين ذكرهم العلماء بخير من عقلاء المجانين ، فأولئك كان فيهم خير ، ثم زالت عقولهم . ومن علامة هؤلاء ، أنه إذا حصل في جنونهم نوع من الصحو ، تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان . ويهذون بذلك في حال زوال عقلهم . ومن كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا ، لم يكن حدوث جنونه مزيلا
[ ص: 772 ] لما ثبت من كفره أو فسقه . وكذلك من جن من المؤمنين المتقين ، يكون محشورا مع المؤمنين المتقين . وزوال العقل بجنون أو غيره ، سواء سمي صاحبه مولعا أو متولها لا يوجب مزيد حال صاحبه من الإيمان والتقوى يبقى على ما كان عليه من خير وشر ، لا أنه يزيده أو ينقصه ، ولكن جنونه يحرمه الزيادة من الخير ، كما أنه يمنع عقوبته على الشر ، ولا يمحو عنه ما كان عليه قبله .
وما يحصل لبعضهم عند سماع الأنغام المطربة ، من الهذيان ، والتكلم لبعض اللغات المخالفة للسانه المعروف منه ! ! فذلك شيطان يتكلم على لسانه ، كما يتكلم على لسان المصروع ، وذلك كله من الأحوال الشيطانية ! وكيف يكون زوال العقل سببا أو شرطا أو تقربا إلى ولاية الله ، كما يظنه كثير من أهل الضلال ؟ ! حتى قال قائلهم :
هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ سياج فلا فرض لديهم ولا نفل مجانين ، إلا أن سر جنونهم
عزيز على أبوابه يسجد العقل
وهذا كلام ضال ، بل كافر ، يظن أن للجنون سرا يسجد العقل على بابه ! ! لما رآه من بعض المجانين من نوع مكاشفة ، أو تصرف عجيب خارق للعادة ، ويكون ذلك بسبب ما اقترن به من الشياطين ، كما يكون للسحرة والكهان ! فيظن هذا الضال أن كل من
[ ص: 773 ] كاشف أو خرق عادة كان وليا لله ! ! ومن اعتقد هذا فهو كافر ، فقد قال تعالى :
هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم [ الشعراء : 221 - 222 ] . فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور .
وأما
الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات ، ويتركون الجمع والجماعات ، فهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، قد طبع الله على قلوبهم . كما قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964585من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر ، طبع الله على قلبه . وكل من عدل عن اتباع سنة الرسول ، إن
[ ص: 774 ] كان عالما بها فهو مغضوب عليه ، وإلا فهو ضال . ولهذا شرع الله لنا أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
وأما من يتعلق بقصة
موسى مع
الخضر عليهما السلام ، في تجويز
الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ، الذي يدعيه بعض من عدم التوفيق - : فهو ملحد زنديق . فإن
موسى عليه السلام لم يكن مبعوثا إلى
الخضر ، ولم يكن
الخضر مأمورا بمتابعته . ولهذا قال له : أنت
موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم .
ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين ، ولو كان
موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه ، وإذا نزل
عيسى عليه السلام إلى الأرض ، إنما يحكم بشريعة
محمد ، فمن ادعى أنه مع
محمد صلى الله عليه وسلم
كالخضر مع
موسى ، أو جوز ذلك لأحد من الأمة - : فليجدد إسلامه ، وليشهد شهادة الحق ، فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية ، فضلا عن أن يكون من أولياء الله ، وإنما هو من أولياء الشيطان . وهذا الموضع مفرق بين زنادقة القوم وأهل الاستقامة ، فحرك تر .
وكذا من يقول بأن الكعبة تطوف برجال منهم حيث كانوا ! ! فهلا خرجت الكعبة إلى الحديبية فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها ، وهو يود منها نظرة ؟ ! وهؤلاء لهم شبه بالذين وصفهم الله تعالى حيث
[ ص: 775 ] يقول :
بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة [ المدثر : 52 ] إلى آخر السورة .