والمحققون من أهل السنة يقولون :
الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة قدرية كونية خلقية ، وإرادة دينية أمرية شرعية ، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا ، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث .
وهذا كقوله
[ ص: 80 ] تعالى :
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ( الأنعام : 125 ) . وقوله تعالى عن
نوح عليه السلام :
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ( هود : 34 ) . وقوله تعالى :
ولكن الله يفعل ما يريد ( البقرة : 253 ) .
وأما
الإرادة الدينية الشرعية الأمرية ، فكقوله تعالى :
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( البقرة : 185 ) ، وقوله تعالى :
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم .
والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( النساء : 26 - 27 ) . وقوله تعالى :
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ( المائدة : 6 ) . وقوله تعالى :
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( الأحزاب : 33 ) .
فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح : هذا يفعل ما لا يريده الله ، أي : لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به .
وأما
الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل ، وبين إرادته من غيره أن يفعل . فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلا فهذه الإرادة معلقة بفعله ، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلا فهذه الإرادة لفعل الغير ، وكلا النوعين معقول
[ ص: 81 ] للناس ، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى ، فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أمر به وقد لا يريد ذلك ، وإن كان مريدا منه فعله .