فإن قيل : فما تقولون في
احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر ، إذ قال له : أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاما ؟ وشهد النبي صلى الله عليه وسلم أن
آدم حج
موسى ، أي : غلب عليه بالحجة ؟
[ ص: 136 ] قيل : نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة ، لصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نتلقاه بالرد والتكذيب لراويه ، كما فعلت
القدرية ، ولا بالتأويلات الباردة . بل الصحيح أن
آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب ، وهو كان أعلم بربه وذنبه ، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر ، فإنه باطل .
وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم
آدم على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه واجتباه وهداه ، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة ، فاحتج
آدم بالقدر على المصيبة ، لا على الخطيئة ، فإن
القدر يحتج به عند المصائب ، لا عند المعائب . وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث . فما قدر من المصائب يجب الاستسلام له ، فإنه من تمام الرضى بالله ربا ، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب . فيتوب من المعائب ، ويصبر على المصائب . قال تعالى :
فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك ( المؤمن : 55 ) . وقال تعالى :
وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ( آل عمران : 120 ) .
وأما قول إبليس :
رب بما أغويتني ، إنما ذم على احتجاجه بالقدر ، لا على اعترافه بالمقدر وإثباته له . ألم تسمع قول
نوح عليه السلام :
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ( هود : 34 ) . ولقد أحسن القائل :
[ ص: 137 ] فما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، أنه قال : نظرت في القدر فتحيرت ، ثم نظرت فيه فتحيرت ، ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه ، وأجهل الناس بالقدر أنطقهم به .