[ ص: 141 ] لو لم يكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر
وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه - ما ظهر لمن له أدنى تمييز . فإن الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ، ولا بد أن يفعل أمورا [ يبين بها صدقه ] . والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة . والصادق ضده . بل كل شخصين ادعيا أمرا : أحدهما صادق والآخر كاذب - لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة ، إذ الصدق مستلزم للبر ، والكذب مستلزم للفجور ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 142 ] الله كذابا عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، [ وإن ] البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق [ ويتحرى الصدق ] ، حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند . ولهذا قال تعالى : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( الشعراء : 221 - 226 ) . فالكهان ونحوهم ، وإن كانوا أحيانا يخبرون بشيء من الغيبيات ، ويكون صدقا - فمعهم من الكذب والفجور ما يبين أن الذي يخبرون به ليس عن ملك ، وليسوا بأنبياء ولهذا لابن صياد : قد خبأت لك خبيئا ، فقال : هو الدخ - قال له النبي صلى الله عليه وسلم : اخسأ ، فلن تعدو قدرك يعني : إنما أنت كاهن لما قال النبي صلى الله عليه وسلم . وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يأتيني [ ص: 143 ] صادق وكاذب . وقال : أرى عرشا على الماء ، وذلك هو عرش الشيطان وبين أن الشعراء يتبعهم الغاوون ، والغاوي : الذي يتبع هواه وشهوته ، وإن كان ذلك مضرا له في العاقبة .