وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال :
[ ص: 173 ] أحدها : أن
كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني ، إما من العقل الفعال عند بعضهم ، أو من غيره ، وهذا قول
الصابئة والمتفلسفة .
وثانيها : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه ، وهذا قول
المعتزلة .
وثالثها : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا ، وإن عبر عنه بالعبريه كان توراة ، وهذا قول
ابن كلاب ومن وافقه ،
كالأشعري وغيره .
ورابعها : أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل ، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث .
وخامسها : أنه حروف وأصوات ، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما ، وهذا قول
الكرامية وغيرهم .
وسادسها : أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته ، وهذا يقوله صاحب المعتبر ، ويميل إليه
الرازي في المطالب العالية .
[ ص: 174 ] وسابعها : أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره ، وهذا قول
أبي منصور الماتريدي .
وثامنها : أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات ، وهذا قول
أبي المعالي ومن تبعه .
وتاسعها : أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ، وهو يتكلم به بصوت يسمع ، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما ، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة .
وقول الشيخ رحمه الله : وإن
القرآن كلام الله . إن بكسر الهمزة - عطف على قوله : إن الله واحد لا شريك له ثم قال : وإن
محمدا عبده المصطفى . وكسر همزة إن في المواضع الثلاثة ، لأنها معمول القول ، أعني قوله في أول كلامه : نقول في توحيد الله .
وقوله : كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا : - رد على
المعتزلة وغيرهم .
فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه ، كما تقدم حكاية قولهم ، قالوا : وإضافته إليه إضافة تشريف ، كبيت الله ، وناقة الله ، يحرفون الكلم عن مواضعه ! وقولهم باطل
فإن المضاف إلى الله تعالى معان وأعيان ، فإضافة الأعيان إلى الله للتشريف ، وهي مخلوقة له ، كبيت الله ، وناقة الله ، بخلاف إضافة المعاني ، كعلم الله ، وقدرته ، وعزته ، وجلاله ، وكبريائه ، وكلامه ،
[ ص: 175 ] وحياته ، وعلوه ، وقهره - فإن هذا كله من صفاته ، لا يمكن أن يكون شيء من ذلك مخلوقا .