( تنبيهات )
الأول : الذي يلزم من قال بإثبات صفة النزول يلزم مثله من قال بصفة الحياة والسمع والبصر والعلم والكلام والقدرة والإرادة له تعالى ، لأنه لا يعقل من هذه الصفات إلا الأعراض التي لا تقوم إلا بجوارحنا ، فكما نقول نحن وإياهم حياته وسمعه وبصره ليست بأعراض ، بل هي صفات كما يليق به لا كما تليق بنا ، فنقول نحن أيضا بمثل ذلك بعينه نزوله وفوقيته واستواؤه ونحو ذلك ، فكل ذلك ثابت معلوم غير مكيف بكيفية ولا انتقال يليق بالمخلوق ، بل هو كما أخبر هو ورسوله سيد البشر مما يليق بجلال عظمته وباهر كبريائه ، لأن ذاته وصفاته معلومة من حيث الجملة ثبوت وعلم وجود بلا كيفية ولا تحديد ، فكل ما ورد في الكتاب ، وصح عن رسول الملك الوهاب ، فسبيله واحد من النزول ، واليد والقدم والوجه والغضب والرضا وغيرها فاحفظه ، وبالله التوفيق
ولهذا قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه - في رسالته الحموية : واعلم أنه
ليس في العقل الصريح ، ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا ، وقد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بهذه الأمور بالاضطرار ، كما أنه جاء بالصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويلات
القرامطة والباطنية في الحج والصوم والصلاة وسائر ما جاءت به النبوة ، ثم إن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص ، وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك تفصيله على أن الأساطين من هؤلاء والفحول معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية
[ ص: 248 ] وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه ، ومن المعلوم للمؤمنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم من غيره بذلك ، وأنصح للأمة ، وأفصح من غيره عبارة وبيانا ، بل هو أعلم الخلق بذلك ، وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم ، فقد اجتمع في حقه - صلى الله عليه وسلم - كمال العلم والقدرة والإرادة ، من المعلوم أن المتكلم إذا كمل علمه وقدرته وإرادته كمل كلامه وفعله ، وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه ، وإما من عجزه عن بيان علمه وإما لعدم إرادة البيان والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الغاية في كمال العلم والغاية في إرادة كمال البلاغ المبين والغاية في قدرته على البلاغ ، ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة ، يجب وجود المراد ، فعلم قطعا أن ما بينه من الإيمان بالله واليوم الآخر حصل به مراده من البيان وأن ما أراده من البيان هو المطابق لعلمه ، وعلمه بذلك هو أكمل العلوم ، فكل من ظن أن غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلم بهذا منه فهو من الملحدين ، لا من المؤمنين ، والصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان ، - رحمة الله عليهم - ومن سلك سبيل السلف ، هم في هذا الباب على الاستقامة دون سواهم . وتقدم في صدر الكتاب ما لعله يشفي ويكفي .