( العاشر )
اعلم رحمك الله - تعالى - أن اصطلاحي في هذا الشرح
الاستدلال بالكتاب وبقول النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، واقتفاء بالصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم ، وما درج عليه الرعيل الأول من القرون المفضلة ، مما تلقاه أئمة الدين بالقبول ، وأثبتوه بالنقول ، وأصلوه في الأصول ، وإن زعم متحذلق أنه يباين العقول فهو كلام باطل ، ومذهب معلول . فإن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام ، تأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها ، فمن زعم أن العقل يحيل شيئا مما جاءت به الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فلا يخلو من أحد أمرين : إما عدم ثبوته عنهم ، وإما عجز العقل عن إدراكه ، ولا يلزم من عجز العقول عن إدراك شيء من الأصول أو غيرها أن يكون مستحيلا ، كحديث النزول مع عدم الانتقال ، وكون القرآن كلام الله وصفته مع عدم الانفصال ، ونظائر ذلك كثيرة جدا ، فمن لم
[ ص: 28 ] يسلم للمنقول ، وقابله بالرد بالمعقول ، فهو ضال مخبول ، فمذهبنا هو ما وافق صحيح المنقول ، وصريح المعقول الذي يجمع ما في الأقوال المختلفة من الصواب ، ويجتنب ما فيها من الخطأ والارتياب ، وهذا هو مذهب سلف الأمة وسائر الأئمة ، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة ، وإجماع السلف ، فإن الله - تعالى - بين في كتابه الحق بما ضربه فيه من الأمثال للخلق ، ويذكر لك من البراهين ، ما يفيد لسليم الصدر عين اليقين ، فإذا تأمل العاقل الفهيم نهاية ما يذكره أهل النظر من جميع طوائف المتكلمة والمتفلسفة ونحوهم ، يجد الذي في القرآن أكمل منه وأوضح بيانا ، مع سلامته من المراء والجدال ، وزبالات أفهام الرجال ، ومن لم يكن علمه متلقى من الكتاب والسنة فهو غير نافع ولا منتفع به ، بل ضره أكثر من نفعه ، وعلامة هذا العلم - كما قال الحافظ
ابن رجب - أن يكتسب صاحبه الزهو والفخر ، والعجب والخيلاء ، وطلب العلو والرفعة في الدنيا ، والمنافسة فيها وطلب مباهاة العلماء ، ومماراة السفهاء ، وصرف وجوه الناس إليه .
ومرادي بالشيخ وشيخ الإسلام حيث أطلق
شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومرادي بالمحقق تلميذه
ابن القيم ،
وبالعلامة ابن مفلح . واعلم أن غالب ما في هذه التعريفات ستمر بك في محالها ، وإنما قصدت جمعها لك لتكون على بصيرة منها ، وهذا أوان الشروع في المقصود من شرح المنظومة ، والله أعلم .