تنبيه
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - جماع الأمر أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام ، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة ، قسمان يقولان على ظاهرها ، وقسمان يقولان على خلاف ظواهرها ، وقسمان يسكتان ، فأما الأولان فأحدهما
من يجريها على ظاهرها من جنس صفات المخلوقين فهؤلاء المشبهة ومذهبهم باطل ، أنكره السلف وعليهم توجه الرد بالحق ، الثاني من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى وعظمته ، كما يجري اسم العليم والقدير والرب والإله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله تعالى ، فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوقين إما جوهر محدث ، وإما عرض قائم ، فالعلم والقدرة والكلام والمشيئة والرحمة والرضا والغضب ، ونحو ذلك في حق العبد أعراض والوجه واليدان والعين في حقه أجسام فإذا كان الله
[ ص: 266 ] عز وجل موصوفا عند عامة أهل الإثبات بأن له علما وقدرة وكلاما ومشيئة ، ولم تكن في حقه تعالى أعراضا يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين ، فكذلك الوجه واليد والعين ونحوها صفات له تعالى لا كصفات المخلوقين ، وهذا هو المذهب الذي حكاه
الخطابي وغيره عن السلف ، وعليه يدل كلام جمهورهم ، وكلام الباقين لا يخالفه ، وهو أمر واضح ، فإن الصفات كالذات فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس ذوات المخلوقين ، فكذلك صفاته ثابتة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقين ، وتقدم نظير هذا ، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق ، فقد ضل في عقله ودينه ، وقد مر أنه لا يعلم ما هو إلا هو ، وأن صفاته لا يعلم كنهها وحقيقتها إلا هو تعالى .
وإنما تعلم الذات المقدسة والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي يليق بعظمته وجلاله ، وقد تنازع الناس في حقيقة الروح ، واختلفوا فيها اختلافا كثيرا مع القطع باتصالها بالبدن ، وإنها تخرج منه وتعرج إلى السماء ، وقد تخبط فيها الفلاسفة ومن وافقهم تخبط الذي به مس من الشيطان ؛ لكونهم رأوها من غير جنس البدن وعالمه وصفاته ، فعدم مماثلتها للبدن لا ينفي أن تكون الصفات الثابتة لها من الصعود والنزول والاتصال والانفصال حقا .
قال شيخ الإسلام : وأما القسمان اللذان يقولان هي على خلاف ظواهرها ، فقسم يتأولونها ويعينون المراد منها ، مثل قولهم استوى بمعنى استولى أو بمعنى علو المكانة والقدر ، وقسم يقولون الله أعلم بمراده منها لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجة عما علمناه .
قال : وأما القسمان الواقفان فقسم يقول بجواز أن يكون المراد ظاهرها اللائق بالله تعالى ، ويجوز أن لا تكون صفة لله ، وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم ، وقسم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن ، وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات .
قال : فهذه الأقسام الستة لا يمكن الرجل أن يخرج عن قسم منها ، قال والصواب في كثير من الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثانية . انتهى كلامه . والله تعالى الموفق .