( ( فصل ) )
في
الكلام على الرزق ، وهو اسم لما يسوقه الله - تعالى - إلى الحيوان فيأكله ، قال في القاموس : الرزق بالكسر ما ينتفع به كل مرتزق ، والجمع أرزاق ، وبالفتح المصدر ، وقد أشار الناظم إلى ذكره بقوله :
( ( والرزق ما ينفع من حلال أو ضده فحل عن المحال ) )
( ( لأنه رازق كل الخلق وليس مخلوق بغير رزق ) )
( ( ومن يمت بقتله من البشر أو غيره فبالقضاء والقدر ) )
( ( ولم يفت من رزقه ولا الأجل شيء فدع أهل الضلال والخطل ) )
( ( والرزق ما ينفع ) ) المرتزق ، أي ينتفع المرتزق بحصوله سواء كان
[ ص: 344 ] ذلك المنتفع به ( ( من حلال ) ) وهو ما انحلت عنه التبعات ، وهو ضد الحرام ; ولهذا قال ( ( أو ضده ) ) أي ضد الحلال ، وهو الحرام ، وهو ما منع منه شرعا ، إما لصفة في ذاته ظاهرة كالسم والخمر ، أو خفية كالربا ومذكى
المجوس ونحوه ; لأنه في حكم الميتة ، وإما لخلل في تحصيله كالربا والغصب ، ونحو ذلك ، فكل ذلك رزق ; لأن الله يسوقه للحيوان فيتناوله ويتغذى به ،
وخالفت المعتزلة في ذلك فقالوا : الحرام ليس برزق ، وفسروه تارة بمملوك يأكله المالك ، وتارة بما لا يمنع عن الانتفاع به ، وذلك لا يكون إلا حلالا ، فيلزمهم على التفسير الأول أن ما يأكله الدواب ليس برزق مع ظاهر قوله - تعالى - :
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فيكون مصادما للقرآن ; لأنه يقتضي أن تكون كل دابة مرزوقة ، ولا ينفعهم زعمهم أن تسمية ما يأكله الدواب رزقا مبني على تشبيهه بما هو مملوك للإنسان فيأكله ، فيكون لفظ الرزق مجازا عما تأكله الدواب ، فلا يلزم أن تكون كل دابة مرزوقة حقيقة ; لأنا نقول : هذا التأويل مخالف لظاهر القرآن ، وهو خلاف المتعارف في اللغة ، فلا يصح ارتكابه من غير ضرورة ، ثم إن تفسيرهم الرزق بذلك ليس بمطرد ، ولا منعكس لدخول ملك الله - تعالى - وخروج رزق الدواب ، والعبيد ، والإماء ، ويلزمهم أيضا على الوجهين أن من أكل الحرام طول عمره لم يرزقه الله - تعالى - أصلا ، وهو خلاف الإجماع الحاصل من الأمة قبل ظهور
المعتزلة أن لا رازق إلا الله ، وإن استحق العبد الذم واللوم على أكل الحرام .
والإضافة إلى الله - تعالى - معتبرة في مفهوم الرزق ، وكل أحد مستوف رزق نفسه ، حلالا كان أو حراما ، ولا يتصور أن لا يأكل إنسان رزقه ، أو يأكل غير رزقه ; لأن ما قدر الله - تعالى - غذاء لشخص يجب أن يأكله ويمتنع أن يأكله غيره ; ولهذا قال : ( ( فحل ) ) أي زل وارجع ( ( عن المحال ) ) وجه كونه محالا أنه لا أحد يبقى بلا رزق ، ولا يمكن إلا أن يأكل رزقه ، فإذا تغذى طول عمره بالحرام ؛ يكون ما رزقه الله - تعالى - ، وهو محال ، وعلى كل حال : ما ذهب إليه
المعتزلة ضرب من المحال ، ولهذا أوضح كون ذلك محالا بقوله : ( ( لأنه ) ) - سبحانه وتعالى - ( ( رزق كل الخلق ) ) كما في الأدلة القرآنية ، والأحاديث النبوية مما
[ ص: 345 ] لا يحصي إلا بكلفة ؛ كقوله - تعالى - :
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ،
وكلوا من رزقه ،
إن الله هو الرزاق ( ( وليس ) ) يوجد ( ( مخلوق ) ) من سائر الحيوانات ، ويبقى ( ( بغير رزق ) ) فظهر فساد مذهب
المعتزلة ، وحقيقة مذهب أهل الحق ، فإن الله - تعالى - قسم بين الخلق معايشهم في الحياة الدنيا ، ومعلوم أن الحرام معيشة لبعض الأنام ، والله الفعال لما يريد ( ( ومن يمت ) ) من سائر الحيوانات ( ( بقتله ) ) من سائر أنواع القتل ( ( من البشر ) ) محركة : الإنسان ذكرا كان أو أنثى ، واحدا أو جمعا ، وقد يثنى ويجمع أبشارا وقدمه للاعتناء به ، والاهتمام بأحواله ; ولأنه المقصود بالذكر ، وإنما قال : ( ( أو غيره ) ) من سائر الحيوانات لدفع توهم أن ما قتل منها ليس كذلك ( ( فـ ) ) موته ( (
بالقضاء ) ) أي بقضاء الله - تعالى - ، وهو لغة : الحكم ، وعرفا : إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال ( ( والقدر ) ) بتحريك الدال وتسكن ، مصدر قدرت الشيء بفتح الدال ، مخففة ؛ إذا أحطت بمقداره ، و " أل " فيه وفي القضاء عوض عن مضاف إليه ، أي بتقدير الله - تعالى - لذلك ، وهو عند الماتريدية : تحديده - تعالى - أزلا كل مخلوق بحده الذي يوجد به من حسن وقبح ، ونفع وضر ، وما يحويه من زمان ومكان ، وما يترتب عليه من طاعة وعصيان وثواب وعقاب وغفران .
وعند
الأشاعرة : إيجاد الله - تعالى - الأشياء على قدر مخصوص ، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها ، طبق ما سبق به العلم وجري به القلم . قال
الخطابي ، رحمه الله - تعالى - : قد يحسب كثير من الناس أن
معنى القدر من الله - تعالى - ، والقضاء معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره ، ويتوهم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026187فحج آدم موسى " من هذا الوجه ، وليس كذلك ، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله - تعالى - بما يكون من أفعال العباد واكتسابهم وصدورها عن تقدير منه - تعالى - ، وخلق لها خيرها وشرها ، قال : والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر كالهدم ، والنشر ، والقبض ، أسماء لما صدر عن فعل الهادم ، والناشر ، والقابض ، يقال : قدرت الشيء ، وقدرت خفيفة وثقيلة بمعنى واحد ، قال : والقضاء معناه في هذا - الخلق ، كقوله - تعالى - :
[ ص: 346 ] فقضاهن سبع سماوات في يومين أي : خلقهن ، وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم واكتسابهم ومباشرتهم تلك الأمور ، وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقديم إرادة واختيار ، والحجة إنما تلزمهم بها ، واللائمة تلحقهم عليها ، قال : وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ; لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء ، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه ، وإنما كان موضع الحجة
لآدم على
موسى - عليهما السلام - أن الله - سبحانه وتعالى - كان قد علم من
آدم أنه يتناول الشجرة ، ويأكل منها ، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه ، وأن يبطله بعد ذلك ، وبيان هذا في قوله - تعالى - :
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فأخبر قبل كون
آدم أنما خلقه للأرض ، وأنه لا يتركه في الجنة حتى ينقله عنها إليها ، وأنما كان تناوله سببا لوقوعه إلى الأرض التي خلق لها ليكون فيها خليفة واليا على من فيها ، فإنما أدلى
آدم بالحجة على
موسى لهذا المعنى ودفع لائمة
موسى عن نفسه ; ولذلك قال : أتلومني على أمر قد قدره الله علي من قبل أن يخلقني ، قال : فقول
موسى وإن كان في النفوس منه شبهة ، وفي ظاهره متعلق ؛ لاحتجاجه بالسبب الذي جعل أمارة لخروجه من الجنة ، فقول
آدم في تعلقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل أرجع وأقوى ، والفلج قد يقع مع المعارضة بالترجيح ، كما يقع بالبرهان الذي لا معارض له . انتهى .
والحديث الذي احتج فيه
آدم على
موسى رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وروي أيضا بإسناد جيد من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026188احتج آدم وموسى " وفي لفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026189إن موسى قال : يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا من الجنة بخطيئته ، فقال موسى : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، وكتب لك التوراة بيده ، فبكم تجد فيها مكتوبا : وعصى آدم ربه فغوى قبل أن أخلق ؟ قال : بأربعين سنة ، وفي لفظ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026190أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق بأربعين سنة ؟ قال : [ ص: 347 ] فحج آدم موسى " قال شيخ الإسلام
ابن تيمية - روح الله روحه - : ظن طوائف في هذا الحديث أن
آدم أحج بالقدر على الذنب ، وأنه حج
موسى بذلك ، فطائفة من هؤلاء يدعون التحقيق والعرفان ،
يحتجون بالقدر على الذنوب ، مستدلين بهذا الحديث ، وطائفة يقولون : الاحتجاج به سائغ في الآخرة لا في الدنيا ، وطائفة يقولون : هو حجة للخاصة المشاهدين للقدر دون العامة ، وطائفة كذبت به
كالجبائي وغيره ، وطائفة تأولته تأويلات فاسدة ، مثل قول بعضهم : إنما حجه ; لأنه كان قد تاب ، وقول آخر : كان أباه ، والابن لا يلوم أباه ، وقول آخر : كان الذنب في شريعة ، واللوم في أخرى ، قال : وهذا كله تعريج عن مقصود الحديث .
وظاهر ما يؤخذ من كلام
شيخ الإسلام ومن مفهوم الحديث - أن
آدم إنما حج
موسى - عليهما السلام - لكونه قد كان تاب من الذنب الصوري ، واستسلم للمصيبة التي لحقت الذرية بسبب أكله المقدر عليه ، فالحديث تضمن التسليم للقدر عند المصائب لا عند الذنوب ، والمعايب ، فيصبر على المصائب ، ويستغفر من الذنوب ، كما قال - تعالى - :
فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وقال - تعالى - :
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه قالت طائفة من السلف : كان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .
فالإيمان بالقدر والرضا بما قدره الله من المصائب ، والتسليم لذلك هو من حقيقة الإيمان ، وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج على فعلها بقدر الله - تعالى - ، بل عليه أن لا يفعلها ، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها كما فعل
آدم - عليه السلام . وقال العلامة
ابن مفلح في الآداب : قال شيخ الإسلام
تقي الدين بن تيمية - قدس الله روحه - :
موسى قال : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ، فلامه على المصيبة التي حصلت بسبب فعله ، لا لأجل كونها ذنبا ; ولهذا احتج عليه
آدم - عليه السلام - بالقدر ، وأما كونه لأجل الذنب كما يظنه طوائف من الناس ، فليس مرادا بالحديث ، فإن
آدم - عليه السلام - كان قد تاب من الذنب ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ولا يجوز لوم التائب باتفاق الناس ، قال : ولأن
آدم - عليه السلام - احتج بالقدر ، وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر العقلاء . وقال
شيخ الإسلام أيضا
[ ص: 348 ] في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : وهذا الحديث قد ضلت به طائفتان ، طائفة كذبت به لما ظنوا أنه يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى الله - عز وجل - لأجل القدر ، وطائفة شر من هؤلاء جعلوه حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه أو الذين لا يرون أن لهم فعلا . وذكر نحو ما قدمنا من الطوائف ، ثم قال : وكل هذا باطل ، ولكن وجه الحديث أن
موسى - عليه السلام - لم يلم أباه إلا لأجل المصيبة التي لحقته من أجل أكله من الشجرة ، فقال : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ لم يلمه لمجرد كونه أذنب وتاب منه ، فإن
موسى - عليه السلام - يعلم أن التائب من الذنب لا يلام ، ولو كان
آدم - عليه السلام - يعتقد رفع الملام عنه لأجل القدر لم يقل
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، والمسلم مأمور عند المصائب أن يصبر ويسلم ، وعند الذنوب يستغفر ويتوب ، والله أعلم .
إذا علمت هذا مع ما قدمناه تحت قوله :
وكل ما يفعله العباد
البيتين ، والتنبيهات التي ذكرناها في أثناء ذلك ؛ علمت أن
القدر عند السلف ما سبق به العلم وجرى به القلم ، مما هو كائن إلى الأبد ، وأنه - عز وجل - قدر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل ، وعلم - سبحانه وتعالى - أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - تعالى - ، وعلى صفات مخصوصة ، فهي تقع على حسب ما قدرها . قال شيخ الإسلام
ابن تيمية - أغدق الله الرحمة على ضريحه - : وإن علم الله السابق محيط بالأشياء على ما هي عليه ، ولا محو فيه ولا تغيير ، ولا زيادة ولا نقص ، فإنه - سبحانه - يعلم ما كان وما يكون ، وما لا يكون لو كان كيف كان يكون كما تقدم ، قال : وأما ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ ، فهل يقع فيه محو وإثبات ؟ على قولين للعلماء ، قال : وأما الصحف التي بيد الملائكة فيحصل فيها المحو والإثبات . انتهى . وتقدم . إذا علمت هذا فقوله : ومن يمت بقتله إلخ ، إن المراد
أن المقتول ميت بأجله ، أي الوقت المقدر لموته ، لا كما يزعم بعض
المعتزلة من أن الله - تعالى - قد قطع عليه الأجل ، والحق عند أهل الحق أن المقتول ميت في الوقت الذي قدره الله - تعالى - له وعلم أنه يموت فيه ، لا كما زعمت
المعتزلة أنه قد قطع عليه الأجل ، يعني لم يوصله إليه ، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله - تعالى - موته فيه لولا
[ ص: 349 ] القتل ، فهم يقطعون بامتداد العمر لولا القتل .
وحاصل النزاع أن المراد بالأجل المضاف زمان تبطل فيه الحياة قطعا من غير تقدم ولا تأخر ، فهل يتحقق ذلك في المقتول أم المعلوم في حقه أنه إن قتل مات ، وإن لم يقتل فيعيش إلى وقت هو أجل له ، فعندهم القاتل قد قطع عليه الأجل ، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله - تعالى - موته فيه لولا القتل ، وزعم
أبو الهذيل منهم أنه لو لم يقتل لمات في ذلك الوقت البتة ، وقول غيره لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت ، وهو مذهب
أهل السنة ، يعني إلى أجله الذي إذا جاء لا يتأخر عنه ، ولا يتقدم كما قال - تعالى - :
إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وادعى
أبو الحسين ومن تابعه من
المعتزلة بأن المسألة بديهية - يعني : موت المقتول من فعل القاتل وبقاؤه لولا القتل - ضرورية ، يدرك من غير استدلال ، بل بمجرد البديهة ، والجمهور منهم كانوا يقولون : إن المسألة استدلالية ، وقال
الكعبي منهم : إن المقتول تبطل حياته بأجل القتل ، وليس المقتول بميت ، فيخص الموت بما لا يكون على وجه القتل ، على ما يشعر به قوله - تعالى - :
أفإن مات الآية ، لكن المعنى مات حتف أنفه ، فمجرد بطلان الحياة موت ، والحاصل أن المقتول مات بأجله الذي أجله الله - تعالى - الذي لا يتقدم موته عليه لحظة ، ولا يتأخر عنه لحظة ، فإنه - عز وجل - حكم بآجال العباد على علم من غير تردد ،
فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .
وأما الأحاديث التي فيها أن بعض الطاعات تزيد في العمر ، مثل صلة الرحم ، ونحو ذلك مما جاء أنه يقصر العمر ، فهذا في الصحف التي يقع فيها المحو ، والإثبات ، وعلم الله - تعالى - لا يقع فيه تغيير ولا زيادة ولا نقصان كما مر آنفا ، والحق أن الأجل واحد ، لا كما زعم
الكعبي أن للمقتول أجلين : القتل ، والموت ، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أجله الذي هو الموت ، ولا كما
[ ص: 350 ] زعمت الفلاسفة أن للحيوان أجلا طبيعيا ، قيل : هو في الإنسان أن يبلغ مائة وعشرين سنة ، وموته عندهم بتحلل رطوبته ، وانطفاء حرارته الغريزيتين ، وأجلا آخر غير الطبيعي ، اخترامه بحسب الآفات ، والأمراض . ولرد هذه المذاهب الباطلة ، والعقائد الفاسدة العاطلة أشير بقوله : ( ( ولم يفت ) ) على المقتول ولا غيره ( ( من رزقه ) ) المقسوم له في علم الملك الحي القيوم شيء ، قل ولا جل ( ( ولا ) ) فاته أيضا من ( ( الأجل ) ) المحتوم ( ( شيء ) ) ولا لحظة واحدة ( ( فدع ) ) أي اترك وجانب ( ( أهل الضلال ) ) من طوائف الاعتزال ، فإنهم ضلوا الطريق القويم وأضلوا عن الصراط المستقيم ( ( و ) ) دع أهل ( ( الخطل ) ) وهو ، بفتح الخاء المعجمة ، والطاء المهملة - الخفة والسرعة والكلام الفاسد الكثير ، وهذا مناسب لحال الفلاسفة لسرعة كلامهم وتنميقه وخفته ، وتزويقه مع ما فيه من الاضطراب وكثرة الخطأ وقلة الصواب والتناقض والتحكم بالعقول ، والخوض فيما لا يعلم حقيقته إلا بالتلقي عن الرسول ، فكم لهم من هفوة باردة ، ومقالة فاسدة ، فدع نحاتة أفكارهم ونحالة آرائهم وابتكارهم ، واكرع من المنهل العذب الزلال الصافي ، وتضلع من الغذاء الهنيء المريء الشافي الذي جاء به الرسول عن
جبريل ، عن رب العالمين ، لا ما قذفته الأفكار من الوساوس ووحي الشياطين .