و " الله " علم على الذات الواجب الوجود ، المستحق لجميع المحامد ، وهو عربي عند الأكثر ، وزعم
البلخي من
المعتزلة أنه معرب عبري أو سرياني ، وأكثر محققي النظار على عدم اشتقاقه ، بل هو اسم مفرد مرتجل للحق - جل شأنه .
قال في شرح المواقف
[ ص: 30 ] : وعلى تقدير كونه في الأصل صفة ، فقد انقلب علما مشعرا بصفات الكمال للاشتهار . قال الإمام المحقق
ابن القيم في كتابه ( بدائع الفوائد ) : زعم
السهيلي وشيخه
ابن العربي أن
اسم الله غير مشتق ; لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها ، واسمه - سبحانه - قديم ، لا مادة له فيستحيل الاشتقاق ، ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى فهو باطل ، ولكن من قال بالاشتقاق لم يرد هذا المعنى ، ولا ألم بقلبه ، وإنما أراد أنه دال على صفة له - تعالى - وهي الإلهية ، كسائر أسمائه الحسنى من العليم والقدير ، فإنها مشتقة من مصادرها بلا ريب ، وهي قديمة ، والقديم لا مادة له ، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء ، فهو جواب
من قال بالاشتقاق في الله ، ثم الجواب عن الجميع أنا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله ، وتسمية النحاة المصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما متولد من الآخر ، وإنما هو باعتبار أن أحدهما متضمن للآخر وزيادة ، فالاشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مبادئ ، وإنما هو اشتقاق تلازم يسمى المتضمن ( بالكسر ) مشتقا ، والمتضمن ( بالفتح ) مشتقا منه ، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله بهذا المعنى . انتهى .
ثم اختلف
من قال بأنه مشتق في مأخذ الاشتقاق ، فقيل : إنه من تأله إذا تذلل ، فمعناه المتذلل له ، والثلاثي منه أله يأله ، بفتح الحشو في الماضي والمضارع والمصدر ، بمعنى اعتمد ولجأ إلى غيره ، كما قال :
ألهت إليه في بلايا تنوبنا فألفيته فيها كريما ممجدا
.
أي التجأت إليه واعتمدت عليه ، والتفعل في تأله للدلالة على حصول شيء فشيء ، كما في تفهم وتعلم ونظائره ، ووجهه أن معنى أله إلى الشيء استند إليه ، وهو يقتضي الذل والافتقار ; لأنه لا يعتمد على غيره إلا بعد ذله لديه وافتقاره إليه ، فكان معنى تأله تذلل وافتقر واحتاج ، وقيل من وله يوله من باب علم ولها ، ومعناه تحير ، لكن قلبت الواو همزة فصار ألها ، كما أبدلوا وسادة ، فقالوا : إسادة ، ونحوه ، فلما دخلت عليه أداة التعريف صار الإله ، ثم حذفت الهمزة لكثرة دورانه على الألسنة ، فصار الله ، فزيدت الألف بين اللام والهاء لتكون كالعوض عن الهمزة ، فصار : إله ، لكن لا تكتب بالألف كما لا تكتب
[ ص: 31 ] في الرحمن ، لكثرة الاستعمال في الدوران .
وإطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل أو اسم المفعول شائع في لغة العرب بمعنى المألوه إليه ، أي المعتمد عليه ، المتذلل له المحتاج إليه ، أو المألوه فيه ، أي المتحير فيه لدقة طريق معرفته . وقيل : إنه مشتق من اللهو ، يعني الطرب وشدة الفرح واللعب ، من لهى يلهى بفتح وسطه ، لكن حذفت الواو من لهو ، فصار : ( له ) ، فأدخلت أداة التعريف ، وزيدت الألف بين اللام والهاء ; لتكون كالعوض عن الواو المحذوفة كما مر ، ومعناه الملهو به ، أي المطروب والمفروح به ، يعني عند معرفته .
وقيل : إنه مشتق من اللوه أي الاستتار ، من لاه يلوه إذا استتر ، لكن قلبت الواو من لوه ألفا ، فصار : ( لاه ) ، فأدخلت أل عليه ، فصار : اللاه ، فحذفت الألف خطا كما مر . ومن قال بعدم الاشتقاق فقد سلم من هذه التكلفات ، والله أعلم .