(
القديم ) نعت لله ، وهو اسم من أسمائه ، وتقدم في الرحمن أنه ونحوه من أسماء الله - تعالى - وإن جرى مجرى الأعلام ، فهو وصف يراد به الثناء ،
فأسماؤه - تعالى - أسماء ونعوت . والقديم هو الذي لم يسبق وجوده عدم ، فإنه - سبحانه وتعالى - متصف بالقدم ، وهي صفة سلبية في اصطلاحهم ، والصفات السلبية ما مدلولها عدم أمر لا يليق به - تعالى ، فقدمه - تعالى - ذاتي واجب له - تعالى ، غير مسبوق بعدم ، إذ هو - تعالى - لا ابتداء لوجوده . واعلم أن القدم إما ذاتي كقدم الواجب ، وإما زماني كقدم زمان الهجرة بالنسبة لليوم ، ومنه (
حتى عاد كالعرجون القديم ) ، ومنه القدم الإضافي كقدم الأب بالنسبة للابن .
( فائدة ) :
القديم أخص من الأزلي ; لأن القديم موجود لا ابتداء لوجوده ، والأزلي ما لا ابتداء له وجوديا كان أو عدميا ، فكل قديم أزلي ولا عكس .
[ ص: 39 ] وفرق آخر أيضا ، وهو أن القديم يستحيل أن يلحقه تغير أو زوال ، بخلاف الأزلي الذي ليس بقديم ، كعدم الحوادث المنقطع بوجودها ، " الباقي " مشتق من البقاء ، وهو امتناع لحوق العدم ،
والبقاء صفة واجبة له - تعالى - كما وجب له القدم ; لأن ما ثبت قدمه ، استحال عدمه ، لأنه - سبحانه - لو قدر لحوق العدم له لكانت نسبة الوجود والعدم إلى ذاته - تعالى - سواء ، فيلزم افتقار وجوده إلى موجد يخترعه بدلا عن العدم الجائز عليه - تقدس وتعالى عن ذلك - فيكون حادثا ، واللازم باطل فكذا الملزوم ; لأن وجوده - تعالى - واجب لذاته .
( تنبيه ) : نقل بعض المحققين أن
البقاء صفة نفسية ، وعن
الأشعري أنها صفة معنى ، والمشهور عند المتكلمين المحققين أنها صفة سلبية كالقدم ، ومنهم من ذهب إلى أن القدم سلبي ، والبقاء وجودي ، ومعنى ما ذكرنا أنه - تعالى - لا يشاب بالعدم ، وهذا من نعوت الجلال ، والجلال عبارة عن الصفات السلبية ، ففي القدم سلب الحدوث ، وفي البقاء سلب الفناء ولحوق العدم ، فنعوت الجلال كالقوام للكمال ، ( مسبب الأسباب ) المتوصل بها إلى مسبباتها ، أي خالق الأسباب المتوصل بها إلى المطلوب . قال أهل اللغة :
السبب الحبل ، وكل شيء يتوصل به إلى أمر من الأمور . وفي عرف الشرع : ما يلزم من وجوده الوجود ، ويلزم من عدمه العدم لذاته ، فالأول احتراز من الشرط ، فإنه لا يلزم من وجوده الوجود ، والثاني احتراز من المانع ; لأنه لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته ، والثالث احتراز
[ ص: 40 ] مما لو قارن السبب فقدان الشرط ووجود المانع كالنصاب قبل تمام الحول ، أو مع وجود الدين ، فإنه لا يلزم من وجوده الوجود لكن لا لذاته ، بل لأمر خارج عنه ، وهو انتفاء الشرط في الأول ، ووجود المانع في الثاني ، فالتقييد بكون ذلك لذاته للاستظهار على ما لو تخلف وجود المسبب مع وجدان السبب لفقد شرط ، أو وجود مانع كمن فيه سبب الإرث ، ولكنه قاتل أو رقيق ، وعلى ما لو وجد المسبب مع فقدان السبب ، لكن لوجود سبب آخر كالردة المقتضية للقتل إذا فقدت ، ووجد قتل يوجب القصاص ، أو زنا محصن ، فتخلف هذا الترتيب عن السبب ، لا لذاته بل لمعنى خارج ، ولهذا قال بعض الأصوليين : السبب عبارة عن وصف ظاهر منضبط ، دل الدليل الشرعي على كونه معرفا لثبوت حكم شرعي طرديا كان كجعل زوال الشمس سببا للصلاة ، أو غير طردي كالشدة المطربة ، سواء اطرد الحكم معه أو لم يطرد ; لأن السبب الشرعي يجوز تخصيصه ، وهو المسمى تخصيص العلة . فإن قلت :
هل من أسمائه - تعالى - المسبب حتى أطلقته عليه ، مع أن أسماءه توقيفية ، أم كيف الحكم ؟ قلت : ذكر غير واحد من المحققين منهم الإمام المحقق في ( بدائع الفوائد ) أن ما يطلق عليه - سبحانه - في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه في باب الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا ، كالقديم والشيء والموجود ، أو القائم بنفسه .
قال في البدائع : فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه ، هل هي توقيفية ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لا يرد به السمع . ( تنبيه ) : في نسخة من منظومتي بدل مسبب الأسباب ( مقدر الآجال ) ، وهو أولى لأمرين : الأول أن المقدر من صفات أفعاله المعبر عنها بالفواضل ; لأن تقدير الآجال ، وفي نسخة بدل الآجال : الأقدار ، وهو أعم ، وتدبير الأمور والأحكام فعل هو إحسان منه - تعالى - وهو السبب لوجود الحمد والشكر ; لأن الإحسان يدعو إلى ذكر المحسن بفضائله التي يتأتى بها الإحسان ، والأقدار جمع قدر بسكون الدال ، وهو عبارة عن مبلغ الشيء ومنتهاه من حيث المكان والزمان ، وكل ما له قدر فمصنوع مفتقر إلى مخصص يقدر المتصف به من الأقدار من طول وعرض
[ ص: 41 ] وعمق ، فالله - تعالى - جعل لكل شيء قدرا لا يتجاوزه ، وحدا لا يتعداه ، ( الثاني ) :
الدلالة على تقدير الآجال ، جمع أجل محركة : غاية الوقت في الموت وحلول الدين ومدة الشيء ، قال - تعالى : (
إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) ، (
ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) ، (
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) ، والأخبار والآثار في ذلك كثيرة جدا ، ( و ) مقدر ( الأرزاق ) بالفتح جمع رزق بالكسر : ما ينتفع به من حلال وحرام ، ويأتي الكلام عليه في محله .